خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)

خطبة من إعداد:  عبد الله بن سعيد الهليل الشمري  ( @ALHLYL  )

 

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ مَا تُعْمَرُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَتُشْغَلُ فِيْهِ الْأَوْقَاتُ: الاشْتِغَالُ بِكِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلُّمَاً وَتَعْلِيْمَاً، وَفِيْ ذَلِكُمْ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ: الظَّفَرُ بِخَيْرَي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهَذَا هُوَ مِيْرَاثُ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ، وَحَازَ الْمَعَالِيْ وَالْمَفَاخِرِ، وَظَفَرَ بِأَعْلَى مَرْغُوْبٍ وَأَجَلِّ مَطْلُوْبٍ، وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ مَدْحِ الْعِلْمِ وَالثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ: عِلْمُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَأْثُوْرِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَمِمَّا جَاءَ فِيْ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِيْ فَضْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ وَبَيَانِ شَرَفِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ: قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران 18) فَذِكْرُ شَهَادَتِهِمْ دَالٌ عَلَى فَضْلِهِمْ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر 9) فَلَا يَسْتَوِي الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ أَبَدَاً. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه 114) فَفِيْ هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى فَضْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ مِنْهُ فِيْ الدُّعَاءِ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة 11) فَفِيْهَا الدَّلَالَةُ عَلَى رِفْعَةِ أَهْلِ الْإِيْمَانِ، وَمَنْ أُوْتِيَ الْعِلْمَ مِنْهُمْ دَرَجَاتٍ عَظِيْمَاتٍ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر 28) دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ الْعَامِلِيْنَ هُمُ الذِيْنَ يَخْشَوْنَ اللهَ عَلَى الْحَقِيْقَةِ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء 59) وَأُوْلُوْ الْأَمْرِ هُمُ: الْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ، فَيُسْمَعُ وَيُطَاعُ لِلْعُلَمَاءِ فِيْمَا يُبِيِّنُوْنَهُ مِنْ أُمُوْرِ الدِّيْنِ، وَيُسْمَعُ وَيُطَاعُ لِلْأُمَرَاءِ فِيْ غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِيْ مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل 43)، (الأنبياء 7) دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِمْ وَفَضْلِهِمْ، لِأَنَّهُمُ الْمَرْجِعَ فِيْ بَيَانِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.

وَمِمَّا جَاءَ فِيْ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ). وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (2699). وَفِيْهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَأَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيْقَاً يَلْتَمِسُ فِيْهِ عِلْمَاً فَإِنَّ اللهَ يُجَازِيْهِ بِأَنْ يُيَسِّرَ لَهُ طَرِيْقَاً يُوْصِلُهُ إِلَى الْجَنَّةِ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِيْهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تَوْرِيْثَ الْعِلْمِ سَوَاءً كَانَ عَنْ طَرِيْقِ التَّعْلِيْمِ الْمُبَاشِرِ أَوْ عَنْ طَرِيْقِ التَّأَلِيْفِ، فَإِنَّهُ يَجْرِي أَجْرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، مِا انْتُفِعَ بِعِلْمِهِ الذِيْ وَرَّثَهُ.

وعَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا ، سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ). رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ.

هّذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.

الخطبة الثانية: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِمَّا جَاءَ فِيْ السُّنَّةِ فِيْ فَضْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ وَبَيَانِ شَرَفِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ أَيْضَاً، مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا). وعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعُسْفَانَ - وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ - فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ : ابْنَ أَبْزَى قَالَ عُمَرُ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. فقَالَ عُمَرُ مُتَعَجِّبَاً وَمُسْتَنْكِرَاً: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟!، فَقَالَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: (إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. و عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ). رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ. عِبَادَ اللهِ، حُثُّوْا أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَشَبَابَكُمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَأَعِدُّوْا الْعُدَّةَ لِذَلِكَ، يَا أَوْلِيَاءِ الْأُمُوْرِ إِنَّكُمْ مَسْؤُوْلُوْنَ أَمَامَ اللهِ عَنْ رَعَايَاكُمْ فَأَعِدُّوْهُمْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، الإِعْدَادَ النَّفْسِيَّ وَالْمَادِّيَّ وَالْأُسَرِيَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَيَسِّرُوْا لَهُمْ مَا يَحْتَاجُوْنَهُ لِمَسَاعَدَتِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، لِئَلَّا يَنْصَرِفُوْا عَنْهُ، وَاحْتَسِبُوْا الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ، فَإِنَ ذَلِكُمْ عَمَلٌ عَظِيْمٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِيْنَ، قَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة 105)، وَاعْلَمُوْا أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ الْعَظِيْمَ: النَّفَقَةُ عَلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْتِيْهِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ) وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ (أَيْ: يَعْمَلُ فِيْ حِرْفَةٍ لِطَلَبِ الرِّزْقِ)، فَشَكَى الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ. فَالشَّاهِدُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ: أَيْ أَرْجُو أو أَخَافُ أَنَّكَ مَرْزُوقٌ بِبَرَكَتِهِ؛ إلا أَنَّهُ مَرْزُوقٌ بِحِرْفَتِكَ فَلَا تَمْنُنْ عَلَيْهِ بِصَنْعَتِكَ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ الشَّرِيْعَةِ، حَيْثُ انْتَفَعَ الجَمِيْعُ بِبَعْضِهِمْ، فَالأَوْلُ انْتَفَعَ بِنَفَقَةِ أَخِيْهِ الْمُحْتَرِفِ، والثَّانِي انْتَفَعَ بِعِلْمِ أَخِيْهِ وَبَرَكَتِهِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عُلُوْمَاً نَافِعَةً وَأَعْمَالَاً صَالِحَةً مُتَقَبَّلَةً وَأَرْزَاقَاً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً وَاسِعَةً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ قُلُوْبٍ لَا تَخْشَعْ وَمِنْ عُلُوْمٍ لَا تَنْفَعْ وَمِنْ نُفُوْسٍ لَا تَشْبَعْ وَمِنْ دَعَوَاتٍ لَا تُسْمَعْ وَمِنْ عُيُوْنٍ لَا تَدْمَعْ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسَيِّءِ الْأَخْلَاقِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَوُلَاةَ أَمُوْرِنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدً لِله رَبِّ الْعِالَمِيْنَ.

روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:

بصيغة pdf:

https://t.me/ALHLYL/656

 word:

https://t.me/ALHLYL/655

تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة مع حضرتك مصطفى السحيمي حفيد الشيخ العلامة احمد بن محمد السحيمي ارجو التواصل مع حضرتك للااهمية رقم الواتس 0096894950138

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ