بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ

 

[ دراسة مختلف الحديث في السلام على النبي في تشهد الصلاة ] 


إعـــــداد :

عبد الله بن سعيد الهليل الشمري


 

ملخص البحث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فهذا البحث عبارة عن دراسة الأحاديث المختلفة الواردة في السلام على النبي في تشهد الصلاة، وبيان الراجح في الحكم على هذه الأحاديث، والراجح في فهمها، الموافق لفهم السلف الصالح لها.

وكان من أبرز النتائج ما يلي:

1- بيان المختلف من الأحاديث في الموضوع ووجه الإشكال.

2- صحة الأحاديث التي دلت على مشروعية قول: (السلام على النبي) بصيغة الغيبة، بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فاستبان بذلك بطلان زعم الطحاوي رحمه الله القائل بضعف حديث ابن مسعود الذي رواه البخاري ومسلم وآخرون، والذي ينص على مشروعية (السلام على النبي) بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

3- أن الحديث إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه، كما نص على ذلك الأئمة، كابن المديني وغيره.

 

 


 

الــــــــــمــــــــــقدمـــــــــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فهذا بحث في دراسة مختلف الحديث في السلام على النبي في تشهد الصلاة، هل يقال: (السلام على النبي)، بصيغة الغائب، أم يبقى الأمر على ما هو عليه قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فيقال: (السلام عليك أيها النبي)، بصيغة المخاطَب؟

وقد اختلف أهل العلم في ذلك بناء على الأحاديث الواردة في الموضوع، وقد بحث هذه المسألة الطحاوي في كتابه (شرح مشكل الآثار)، الذي يعتبر أوسع الكتب في هذا الباب، بحثاً مطولاً يقرر فيه أن ما رُوي عن ابن مسعود في قوله (السلام على النبي) لا يثبت عنه، وأن هذا اللفظ من زيادات الرواة الذين قبل أبي معمر !، مستدلاً بأحد طرق الحديث !، معرضاً عن الطرق الأخرى !، خاصة الطريق الذي رواه البخاري في صحيحه وشاركه في روايته جمع من الحفاظ !.

وفي هذا البحث أيضاً تحقيقُ مسألةٍ هامة من مسائل العبادات، المفروضات، حيث أبين الراجح فيها، مستدلا بالثابت من الأحاديث، وفي هذا الاستدلال الكفاية لطالب الحق، ومدعماً ذلك بنقولات عن أهل العلم الثقات، حتى يطمئن القلب بثبات.

وقد قسمت البحث إلى فصلين، الفصل الأول: بيان الأحاديث المختلفة في الموضوع، ووجه الإشكال، ودرجاتها من حيث القبول والرد. الفصل الثاني: الترجيح والاستشهاد بكلام أهل العلم.

ثم خاتمة فيها أبرز النتائج، ثم الفهارس.

والله أسأل أن يهديني وجميع المسلمين لِمَا اختُلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله على خليله محمد وآله وسلم أحسن تسليم.


 

سبب اختيار الموضوع:

التفقه في دين الله مقصد كل خَيِّر أراد الله به خيرا، ومن ذلك معرفة مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أهم أسباب اختيار الموضوع أيضا: وجود خلاف بين الفقهاء، فكان لِزاماً بيان الراجح بحجة الشرع الصريحة الصحيحة، لسلوك المحَجَّة، ومقارعة الحجة بالحجة، لا باللُّجة المُمَجَّة.

 

الدراسات السابقة:

لم أقف على دراسة مستقلة لهذا الموضوع، والله أعلم.

 

مشكلة البحث:

المسألة خلافية، والخلاف فيها كبير، كما سبق، والأحاديث فيها متعددة وتعتبر من مختلف الحديث، كل ذلك دعا إلى أهمية التصنيف المحقق فيها، ومحاولة حسم المسألة بالحجة وبيان المحجة، والله المستعان الموفق.

 


 

منهج البحث:

سلكت فيه الطريقة الممنهجة في المقرر، وسلكت فيه ما يلي:

1- المنهج التاريخي في التراجم.

2- المنهج العلمي في تخريج الأحاديث.

3- الحكم على الأحاديث التي ليست في الصحيحين.

4- الالتزام بالتوثيق العلمي في عزو أقوال أهل العلم.

5-  عزو المسائل الفقهية لكل مذهب من المذاهب.

الفصل الأول: بيان الأحاديث المختلفة في الموضوع، ووجه الإشكال، ودرجاتها من حيث القبول والرد:

 

وجه الإشكال: تقدم بيان وجه الإشكال في المقدمة، وهو أن الأحاديث اختلفت في لفظ السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في جلسة التشهد في الصلاة، فبعضها نصت على أنه يقال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (السلام على النبي) بصيغة الغيبة، ولا يقال (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المخاطبة، التي دل عليه كاف الخطاب،  وبعض الأحاديث نصت على صيغة واحدة فقط، وهي الصيغة التي كانوا يقولونها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: (السلام عليك أيها النبي) بكاف الخطاب.

وفيما يلي دراسة هذه الأحاديث، وبيان الأصح منها، فأقول مستعينا بالله، ومتوكلا عليه:

أولا: الأحاديث الواردة في صيغة (السلام على النبي):

1- حديث متفق عليه عن ابْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: ( عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلهِ ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ، فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ ، يَعْنِي: عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ). رواه البخاري (6265)، ومسلم (402)، واللفظ للبخاري، من طريق سَيْف بْن سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فذكره، وهذه هي الرواية التي يعتمدها البخاري، ومما يدل على ذلك:

-      ما رواه الترمذي عنه حيث قال في «العلل الكبير = ترتيب علل الترمذي الكبير» (ص71): ( ... وَرَوَى سَيْفٌ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدِي ...). انتهى.

-      وقال البيهقي في (السنن الكبرى ج2 ص139): (وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ يَرَى رِوَايَةَ سَيْفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ هِيَ الْمَحْفُوظَةَ دُونَ رِوَايَةِ أَبِي بِشْرٍ ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ). انتهى.

 

ويزيده توضيحاً ما رواه جماعة آخرون، منهم: ابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب الصلاة، التشهد فِي الصلاة كيف هو؟ 3003) وأحمد (3994) وأبو يعلى الموصلي (5347) وأبو عوانة في صحيحه (المستخرج على صحيح مسلم 1600) والبيهقي في (الكبرى، الصلاة، باب مبتدإ فرض التشهد 2865) جميعهم من نفس الطريق الذي ذكره البخاري بلفظ: (فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ ). بدون كلمة: (يعني) التي رواها البخاري.

2- روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (المصنف 3070)، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ ، يَقُولَانِ فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ : " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ لِلهِ ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلهِ ، السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " ، قَالَ : " لَقَدْ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُهُنَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُهُنَّ النَّاسَ " ، قَالَ : " وَلَقَدْ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُهُنَّ كَذَلِكَ " ، قُلْتُ : فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ؟ قَالَ : " لَا " .

3- بل روى عن عطاء أيضا أنه ينسب ذلك عن الصحابة من غير تعيين، فروى في مصنفه عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُسَلِّمُونَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ " . (مصنف عبد الرزاق كتاب الصلاة - باب التشهد 3075). وصححه ابن حجر كما في (فتح الباري ج2 ص314)، وتبعه الألباني كما في (أصل صفة الصلاة).

والجواب عن عنعنة ابن جريج هو: أن إسناد الأثر ذكره الحافظ ابن حجر فقال: (وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا قَوِيًّا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ). فارتفع بذلك احتمال التدليس. كما في المصدرين السابقين.

4- رواية أم المؤمنين عائشة الأخرى: قال ابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب الصلاة - التشهد فِي الصلاة كيف هو 3010): حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : رَأَيْتُ عَائِشَةَ تَعُدُّ بِيَدِهَا تَقُولُ : (التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ ، الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلهِ ، السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . قَالَ : ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ). وإسناده حسن.

فعائشة روت التشهد بصيغة: ( السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ)، كما روت الصيغة الأخرى، فتنبه.

5- حديث ابن عمر: روى مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ، كَانَ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ : بِسْمِ اللهِ التَّحِيَّاتُ لِلهِ الصَّلَوَاتُ لِلهِ ، الزَّاكِيَاتُ لِلهِ ، السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، شَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، يَقُولُ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، وَيَدْعُو إِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ بِمَا بَدَا لَهُ ، فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا ، إِلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّشَهُّدَ ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ ، فَإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَمِينِهِ ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ). (موطأ الإمام مالك - كتاب الصلاة - التشهد في الصلاة 301).

وجاء عنه أيضا الإخبار بأنهم يقولون (السلام على النبي) بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من طريق ابْن أَبِي عَدِيٍّ عن شعبة عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر موقوفاً كما ذكر البيهقي، حيث قال في (السنن الكبرى ج2 ص139) بعد روايته للحديث المرفوع: (وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ فَوَقَفَهُ ، إِلَّا أَنَّهُ رَدَّهُ إِلَى حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : كُنَّا نَقُولُهَا فِي حَيَاتِهِ ، فَلَمَّا مَاتَ قُلْنَا : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ ، وَرَحْمَةُ اللهِ ). انتهى.

قال الدارقطني الموقوف هو المحفوظ. (العلل ج13 ص197).

وسيأتي في الفصل الثاني ذكر المزيد من الشواهد والنقولات المرجحة لهذه الصيغة.

 

 


 

ثانيا: الأحاديث الواردة في صيغة (السلام عليك أيها النبي) بكاف الخطاب:

 

 

1- حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رواه البخاري في أربعة مواضع (831)، (835)، (6230)، (7381) عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ : ( كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلهِ ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا ، أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ).

2-  حديث عائشة، رواه مَالِكٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، كلاهما عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتِ : التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ ، الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلهِ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ). (موطأ الإمام مالك - كتاب الصلاة - التشهد في الصلاة 302 ، 303).

3- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَكَانَ يَقُولُ : التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلهِ . السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ . السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ . أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ : كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ ). رواه مسلم (403)، وآخرون. وهو صحيح كما سيأتي.

4- حديث جابر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ بِاسْمِ اللهِ وَبِاللهِ ، التَّحِيَّاتُ لِلهِ ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، نَسْأَلُ اللهَ الْجَنَّةَ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ .

هذا الحديث بالزيادة المذكورة معلول؛ إذ خُولف أيمن بن نابل في إسناده ومتنه، أعله جمع من الحفاظ والأئمة، منهم:

أ‌-     ابن معين، قال ابن الجنيد «سؤالاته» (ص280):

(قلت ليحيى بن معين: حديث الليث بن سعد، عن أبي الزبير عن طاوس، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، قلت: ورواه معتمر بن سليمان، عن ‌أيمن ‌بن ‌نابل، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال يحيى: «هذا خطأ، الحديث حديث الليث بن سعد»). انتهى.

ب‌-       البخاري، قال الترمذي في «العلل الكبير = ترتيب علل الترمذي الكبير» (ص72): «فَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. هَكَذَا يَقُولُ ‌أَيْمَنُ ‌بْنُ ‌نَابِلٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ خَطَأٌ ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَطَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّوَاسِيُّ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، مِثْلَ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ».

ت‌-       مسلم، حيث قال في «التمييز لمسلم» (ص188):

«‌‌وَمن الاخبار المنقولة على الْوَهم فِي الاسناد والمتن جَمِيعًا

  - حَدثنَا أَبُو بكر ثَنَا أَبُو خَالِد عَن أَيمن عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَقُول بِسم الله وَبِاللَّهِ والتحيات لله. قَالَ أَبُو الْحُسَيْن هَذِه الرِّوَايَة من التَّشَهُّد وَالتَّشَهُّد غير ثَابت الاسناد والمتن جَمِيعًا وَالثَّابِت مَا رَوَاهُ اللَّيْث وَعبد الرَّحْمَن بن حميد فتابع فِيهِ فِي بعضه فِيمَا

59 - حَدثنَا قُتَيْبَة ثَنَا اللَّيْث وثنا أَبُو بكر ثَنَا يحيى بن آدم ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن حميد حَدثنِي أَبُو الزبير عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن.

سَمِعت مُسلما يَقُول فقد اتّفق اللَّيْث وَعبد الرَّحْمَن بن حميد الرُّؤَاسِي عَن أبي الزبير عَن طَاوُوس وروى اللَّيْث فَقَالَ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وكل وَاحِد من هذَيْن عِنْد أهل الحَدِيث أثبت فِي الرِّوَايَة من أَيمن وَلم يذكر اللَّيْث فِي رِوَايَته حِين وصف التَّشَهُّد بِسم الله وَبِاللَّهِ فَلَمَّا بَان الْوَهم فِي حفظ أَيمن لاسناد الحَدِيث بِخِلَاف اللَّيْث وَعبد الرَّحْمَن اياه دخل الْوَهم أَيْضا فِي زِيَادَته فِي الْمَتْن فَلَا يثبت مَا زَاد فِيهِ وَقد رُوِيَ التَّشَهُّد عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه عدَّة صِحَاح فَلم يذكر فِي شَيْء مِنْهُ بِمَا روى أَيمن فِي رِوَايَته قَوْله بِسم الله وَبِاللَّهِ وَلَا مَا زَاد فِي آخِره من قَوْله أسأَل الله الْجنَّة وَأَعُوذ بِاللَّه من النَّار وَالزِّيَادَة فِي الاخبار لَا يلْزم الا عَن الْحفاظ الَّذين لم يعثر عَلَيْهِم الْوَهم فِي حفظهم». انتهى

ث‌-       ابن القَيِّم حيث قال في كتابه «زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم» (1/ 280): «وله علَّة غير عنعنة أبي الزبير». انتهى. يعني ابن نابل، والله أعلم.

ج‌-مقبل الوادعي، في كتابه «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص90).

وأما تصحيح الحاكم له كما في مستدركه فهو من هفواته التي انتقدها الأئمة عليه، وانظر المصادر السابقة للمزيد.

5- حديث ابن عمر عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ : (التَّحِيَّاتُ لِلهِ ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ : زِدْتُ فِيهَا : وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ : زِدْتُ فِيهَا : وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ، وَرَسُولُهُ ). رواه أبو داود (968) وآخرون، وهو معلول:

قال الدارقطني الموقوف هو المحفوظ. (العلل ج13 ص197).

وقال الترمذي في «العلل الكبير = ترتيب علل الترمذي الكبير» (ص71): «104 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ‌السَّلَامُ ‌عَلَيْكَ ‌أَيُّهَا ‌النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عَبَّادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَأَوْقَفَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى سَيْفٌ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدِي ، قُلْتُ: فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: يُحْتَمَلُ هَذَا وَهَذَا . قَالَ مُحَمَّدٌ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الَّذِي رَوَى عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، فِي التَّشَهُّدِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ». انتهى.

وقال البيهقي في (السنن الكبرى ج2 ص139): (وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ شُعْبَةَ فَوَقَفَهُ ، إِلَّا أَنَّهُ رَدَّهُ إِلَى حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : كُنَّا نَقُولُهَا فِي حَيَاتِهِ ، فَلَمَّا مَاتَ قُلْنَا : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ ، وَرَحْمَةُ اللهِ ). انتهى.

وقال ابن القيسراني: « حَدِيث: التَّحِيَّات لله، والصلوات. الحَدِيث فِي التَّشَهُّد. رَوَاهُ جَعْفَر بن إِيَاس بن أبي وحشية: عَن مُجَاهِد قَالَ: كنت آخِذا بيد ابْن عمر، وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ، وَهُوَ يعلم التَّحِيَّة، فَذكر ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " التَّحِيَّات لله، والصلوات، والطيبات، السَّلَام على النَّبِي، ورحمه الله ". قَالَ: كُنَّا نقُول هَذَا فِي حَيَاته، فَلَمَّا قبض النَّبِي صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: " السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي ورحمه الله " - وزدت " وَبَرَكَاته " - السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. قَالَ: وزدت " وَحده لَا شريك لَهُ " - وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ". قَالَ أَبُو طَالب أَحْمد بن حميد: سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن حَدِيث شُعْبَة، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَأنكرهُ وَقَالَ: لَا أعرفهُ. قلت: رَوَاهُ نصر بن عَليّ: عَن أَبِيه، عَن أبي بشر، عَن مُجَاهِد؟ قَالَ: مَا سمع مِنْهُ شَيْئا، إِنَّمَا ابْن عمر يرويهِ عَن أبي بكر الصّديق علمنَا التَّشَهُّد لَيْسَ فِيهِ " النَّبِي صلى الله عليه وسلم "». «ذخيرة الحفاظ» لابن القيسراني (2/ 1174).

 

الفصل الثاني: الترجيح والاستشهاد بكلام أهل العلم:

الراجح هو أحاديث صيغة الغيبة (السلام على النبي)، وقد سبق بيان ذلك في الفصل الأول، وسبق النقل الموثق عن الحفاظ فيه، ومما يدلل على ذلك ما يلي من كلام الأئمة والشراح:

قال ابن رجب في شرحه على صحيح البخاري (فتح الباري ج7 ص329): (وقد اختار بعضهم أن يقال بعد زمان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "السلام على النبي" ، وقد ذكر البخاري في موضع آخر من "كتابه" أنهم كانوا يسلمون على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد موته في التشهد كذلك، وهو رواية عن ابن عمر وعائشة).

 

وقال ابن الملقن في (التوضيح شرح الجامع الصحيح ج7 ص272): (والرواية السالفة: "فلما قبض قلنا: السلام على النبي" صلى الله عليه وسلم، يدل على أن الخطاب خاص بزمنه، وروى أبو موسى المديني في "ترغيبه وترهيبه" من حديث سعد بن إسحاق بن كعب قَالَ: كانت الصحابة يقولون إِذَا سلموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقال - عليه السلام -: "هذا السلام علي وأنا حي، فإذا مت فقولوا: السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - ورحمة الله وبركاته").

 

وقال العيني في (عمدة القاري ج22 ص254): ( هَكَذَا جَاءَ فِي هَذِه الرِّوَايَة دون الرِّوَايَات الْمُتَقَدّمَة، وظاهرها أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي، بكاف الْخطاب فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا مَاتَ تركُوا الْخطاب وذكروه بِلَفْظ الْغَيْبَة، فصاروا يَقُولُونَ: السَّلَام على النَّبِي. قَوْله: (يَعْنِي: على النَّبِي) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ). انتهى.

قلت: (يحتمل أن قائل: (يَعْنِي: على النَّبِي) هو البخاري، لكن الظاهر والله أعلم أن الراوي هو الذي قالها بدليل أن جماعة من الحفاظ رووا اللفظ بدون كلمة (يعني)، وقد ذكرتهم أعلاه.

 

وقال السيوطي في (التوشيح شرح الجامع الصحيح ج2 ص793): (قال السبكي: "وهذا دليل على أن الخطاب الآن غير وأخبرنا، فيقال: "السَّلام على النَّبيِّ"، وكذا قال صاحب "المهمات" وغيره).

 

 

وقال الحافظ ابن حجر: (فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شُرِعَ هَذَا اللَّفْظُ (يعني: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) وَهُوَ خِطَابُ بَشَرٍ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْغَيْبَةِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ فَيَنْتَقِلُ مِنْ تَحِيَّةِ اللَّهِ إِلَى تَحِيَّةِ النَّبِيِّ ثُمَّ إِلَى تَحِيَّةِ النَّفْسِ ثُمَّ إِلَى الصَّالِحِينَ؟ أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِمَا مُحَصَّلُهُ: نَحْنُ نَتَّبِعُ لَفْظَ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ عَلَّمَهُ الصَّحَابَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ إِنَّ الْمُصَلِّينَ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَابَ الْمَلَكُوتِ بِالتَّحِيَّاتِ أُذِنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي حَرِيمِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ فَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بِالْمُنَاجَاةِ فَنُبِّهُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ فَالْتَفَتُوا فَإِذَا الْحَبِيبُ فِي حَرَمِ الْحَبِيبِ حَاضِرٌ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ قَائِلِينَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ اه وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ هَذَا مَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَهُوَ مِمَّا يُخْدَشُ فِي وَجْهِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ فَفِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ عَن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ قَالَ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ كَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالسَّرَّاجُ وَالْجَوْزَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: "فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ" بِحَذْفِ لَفْظِ يَعْنِي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَوَانَةَ وَحْدَهُ: "إِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي السَّلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ" قُلْتُ: قَدْ صَحَّ بِلَا رَيْبٍ! وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا قَوِيًّا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهمْ التَّشَهُّد فَذكره قَالَ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِي إِذْ كَانَ حَيا فَقَالَ بن مَسْعُودٍ هَكَذَا عَلَّمَنَا وَهَكَذَا نُعَلِّمُ فَظَاهِرٌ أَنَّ بن عَبَّاس قَالَه بحثا وَأَن بن مَسْعُودٍ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي مَعْمَرٍ أَصَحُّ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ). (فتح الباري ج2 ص314).

 

 

 

وقد بحث الطحاوي هذه المسألة بحثا مطولا يقرر فيه أن ما روي عن ابن مسعود في قوله (السلام على النبي) لا يثبت عنه، وأن هذا اللفظ من زيادات الرواة الذين قبل أبي معمر!، مستدلاً بأحد طرق الحديث !، معرضاً عن الطرق الأخرى خاصة الطريق الذي رواه البخاري في صحيحه وشاركه في روايته جمع من الحفاظ وهو الذي تقدم ذكره.

 

فقال الطحاوي في كتابه (شرح مشكل الآثار ج9 ص409 حديث 3797): (بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، وَأَنَّهُمْ قَالُوهُ بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْكُوفِيُّ الْحِبْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمَرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ ، كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ : التَّحِيَّاتُ لِلهِ ، وَالصَّلَوَاتُ ، وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ، فَلَمَّا قُبِضَ ، قُلْنَا : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ.

فَقَالَ قَائِلٌ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ; لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يُتَشَهَّدَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَامَّةُ النَّاسِ يَتَشَهَّدُونَ بِخِلَافِهِ ; لِأَنَّهُمْ يَتَشَهَّدُونَ فَيَقُولُونَ فِي تَشَهُّدِهِمُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، كَمَا كَانُوا يَتَشَهَّدُونَ فِي حَيَاتِهِ.

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّا قَدْ أَنْكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي أَنْكَرَهُ.

فَقَالَ : فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا الْخِلَافُ لِمَا النَّاسُ عَلَيْهِ ، أَمِنْ قِبَلِ أَبِي مَعْمَرٍ ، فَهُوَ رَجُلٌ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ ، أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ ؟

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّا قَدْ كَشَفْنَا عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ مِمَّنْ دُونَهُ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ . كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا مَعْمَرٍ فِي حَدِيثِهِ - قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ذَكَرَ التَّشَهُّدَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، قَالَ : فَلَمَّا قُبِضَ ، قَالُوا : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ .

فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْمُخَالِفَةَ لِمَا النَّاسُ عَلَيْهِ كَانَتْ مِمَّنْ دُونَ أَبِي مَعْمَرٍ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَمِمَّا يَدْفَعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا ، وَيُوجِبُ التَّمَسُّكَ بِمَا النَّاسُ عَلَيْهِ فِي صَلَوَاتِهِمْ مِنْ تَشَهُّدِهِمُ الَّذِي يَتَشَهَّدُونَ بِهِ فِيهَا، أَنَّ أَبَا عِيسَى مُوسَى بْنَ عِيسَى الْكُوفِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ ، قَالَ : أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ ، فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِيهِ عَلَى تَشَهُّدِ النَّاسِ . وَأَنَّ فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، وَأَبُو غَسَّانَ ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي نُعَيْمٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، وَقَالَ : فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَوْ قَضَيْتَ هَذَا ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ. وَأَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ نَصْرٍ قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. وَأَنَّ فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، قَالَ : أَتَيْتُ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ ، فَقُلْتُ : إِنَّ أَبَا الْأَحْوَصِ قَدْ زَادَ فِي خُطْبَةِ الصَّلَاةِ : وَالْمُبَارَكَاتِ ، قَالَ : فَأْتِهِ ، فَقُلْ لَهُ : إِنَّ الْأَسْوَدَ يَنْهَاكَ ، وَيَقُولُ : إِنَّ عَلْقَمَةَ تَعَلَّمَهُنَّ مِنْ عَبْدِ اللهِ كَمَا يَتَعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ عَدَّهُنَّ عَبْدُ اللهِ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ تَشَهُّدَ عَبْدِ اللهِ .

فَانْتَفَى أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَنْ عَبْدِ اللهِ ، وَثَبَتَ أَنَّهَا عَنْ مُجَاهِدٍ .

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ ، وَوُجُوبِ الْأَخِيرِ بِغَيْرِهِ مِمَّا النَّاسُ عَلَيْهِ فِي صَلَوَاتِهِمْ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ، وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَوُا التَّشَهُّدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِمَا يَكُونُونَ عَلَيْهِ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِنَا فِي « شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ » .

وَمِمَّا قَدْ وَكَّدَ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ النَّاسَ التَّشَهُّدَ كَذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ ، ثُمَّ ذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً. وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ كَانَ عَلَّمَ التَّشَهُّدَ النَّاسَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ . كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ ، حَدَّثَهُمَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَهُوَ يَقُولُ : قُولُوا : التَّحِيَّاتُ لِلهِ ، الزَّاكِيَاتُ لِلهِ ، الصَّلَوَاتُ لِلهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. هَكَذَا أَمْلَاهُ يُونُسُ عَلَيْنَا . وَحَدَّثَنَاهُ فِي « مُوَطَّأِ مَالِكٍ » ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ : قُولُوا : التَّحِيَّاتُ لِلهِ ، الزَّاكِيَاتُ الطَّيِّبَاتُ ، الصَّلَوَاتُ لِلهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .

فَقَالَ قَائِلٌ : وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطَبُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِمِثْلِ هَذَا كَمَا كَانَ يُخَاطَبُ فِي حَيَاتِهِ ؟

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ مِمَّا أَجَلَّ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَانَ هَذَا حَسَنًا ، وَقَدِ اسْتَخْرَجَ بَعْضُ مَنِ اسْتَخْرَجَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا مَعْنًى حَسَنًا . وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدُ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ . وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْرَقُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .

قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ وَهُمْ مَوْتَى ، كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَزَ ، وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِثْلُ الَّذِي قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيهِ . كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : كُلَّمَا كَانَتْ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ آخِرَ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ .

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : وَآتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ ). انتهى كلام الطحاوي.

 

قلت: وكلامه مردود من وجوه:

 

الوجه الأول: أن البخاري روى حديث مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود، وفيه قال: (السلام على النبي). ولو كان الحديث معلولاً لما رواه البخاري في صحيحه، حيث رواه من طريق سَيْف بْن سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فذكره، ونص على أنه هو المحفوظ كما نقل الترمذي والبيهقي عنه، وقد وثقت ذلك في الفصل الأول أعلاه، فلو كان معلولا لما نص على أنه هو المحفوظ.

 

الوجه الثاني: أن حديث (السلام على النبي) لو كان منكراً لبيَّنه الأئمة الحفاظ، خاصة منْ تعقب البخاري في صحيحه كالدارقطني في كتابه (التتبع) وغيره.

 

الوجه الثالث: أن جماعة من الحفاظ والأئمة رووا حديث ابن مسعود (السلام على النبي) على وفق رواية البخاري التي نص على أنها هي المحفوظة. وقد ذكرتهم أعلاه.

 

الوجه الرابع: أن رد الطحاوي هذه اللفظة بطريق واحد لا يكفي، لأن الخطأ وارد أيضاً مِمَّنْ هو دون مجاهد في هذه الطريق، أعني الطريق التي رواها هو عن أَبي أُمَيَّةَ ، عن عُبَيْد اللهِ بْن مُوسَى الْعَبْسِيّ ، عن عُثْمَان بْن الْأَسْوَد،ِ عن مجاهد، عن ابن مسعود به. كما تقدم. علاوة على أن في إسناده شيخه: أبو أُمَيَّة محمد بن إبراهيم، قال ابن حبان: (كان من الثقات دخل مصر فحدثهم من حفظه من غير كتاب بأشياء أخطأ فيها، فلا يعجبني الاحتجاج بخبره ! إلا ما حدث من كتابه). (الثقات ج9 ص137). وقال ابن حجر: مشهور بكنيته صدوق صاحب حديث يهم. (تقريب التهذيب ج2 ص466)، (تهذيب التهذيب ج9 ص14). وفي إسناده أيضا: عبيد الله بن موسى، قال المروذي في سؤالاته للإمام أحمد كما في  (العلل ص127): (قلت لَهُ: مَا ترى فِي حَدِيث عبيد الله بن مُوسَى؟ فَقَالَ: قد كَانَ يحدث بِأَحَادِيث رَدِيئَة، وَقد كنت لَا أخرج عَنهُ شَيْئا، ثمَّ إِنِّي خرجت). وقال أيضا: (وَسَأَلْتُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى أخرجت عَنهُ شَيْئا؟ قَالَ: رُبمَا أخرجت عَنهُ، وَرُبمَا ضربت عَلَيْهِ، حدث عَن قوم غير ثِقَات، فَإِن كَانَ من حَدِيث الْأَعْمَش فعلى ذَاك). (العلل ص174). وقال المزي: قال أبو الحسن الميموني وذكر عنده -يعني عند أحمد بن حنبل- عبيد الله بن موسى فرأيته كالمنكر له، قال: كان صاحب تخليط وحدث بأحاديث سوء أخرج تلك البلايا فحدث بها. قيل له: فابن فضيل؟ قال: لم يكن مثله كان أستر منه وأما هو فأخرج تلك الأحاديث الرديَّة!. وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: كان محترقا شيعيا جاز حديثه. (تهذيب الكمال ج19 ص168). وقال يعقوب بن سفيان: شيعي وإن قال قائل رافضي لم أنكر عليه وهو منكر الحديث. وقال الجوزجاني: وعبيدالله ابن موسى أغلى وأسوأ مذهبا وأروى للعجائب. وقال الحاكم: سمعت قاسم بن قاسم السياري سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول: عبيدالله بن موسى من المتروكين!، تركه أحمد لتشيعه. وقال ابن شاهين في الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: صدوق ثقة وكان يضطرب في حديث سفيان اضطرابا قبيحا. وقال الساجي: صدوق كان يفرط في التشيع. قال ابن حجر: وبعد ذلك عتبوا عليه ترك الجمعة مع إدمانه على الحج أمر لا يشبه بعضه بعضا. وانظر إن شئت: (ميزان الاعتدال ج3 ص19)، (تهذيب التهذيب ج7 ص47). فكيف نعتمد هذا الطريق ونضعف به روايةً رواها البخاري في صحيحه ونص على أنها هي المحفوظة ؟! فاتضح بذلك عدم صحة ما قرره الطحاوي، فلا تعتبر به ولا تغالي.

 

الوجه الخامس: أن الطحاوي ذكر من الأحاديث ما يوافق ترجيحه، ولم يذكر ما يخالفه، وقد شاهدت أخي القارئ ما نقلته لك في الفصل الأول مما يخالفه ترجيحه، خصوصا ما رواه مالك في الموطأ.

 

الوجه السادس: إذا علمت أن لفظ (السلام على النبي) قد ثبت في أكثر من حديث، فاعلم أن قياسه على حديث المقبرة: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين)، قياس مع الفارق، فاستيقن أن الأمر توقيفي ولا تكن في الباطل غارق.

 

 

 


 

فائدة: جاء في التشهد أربعة عشر حديثاً وهي: تشهد أبي بكر الصديق، وتشهد ابْن عَبَّاس، وتشهد ابْن مَسْعُود، وتشهد عمر، وتشهد ابْنه: عبد الله. وتشهد جَابر. وتشهد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وتشهد عَائِشَة. وتشهد سَمُرَة بن جُنْدُب. وتشهد عَلّي بن أبي طَالب. وتشهد عبد الله بن الزبير. وتشهد مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. وتشهد سلمَان. وتشهد أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.

 

وقد خرجها ابن الملقن كما في كتابه (البدر المنير ج4 ص24) وقال: (إِذا عرفت هَذِه التشهدات وتقررت لديك بقيت متطلعًا إِلَى الْأَرْجَح مِنْهَا، ولتعلم أَن أَشدّهَا صِحَة بِاتِّفَاق الْحفاظ حَدِيث ابْن مَسْعُود؛ لوَجْهَيْنِ:

 

أَحدهمَا: أَن الْأَئِمَّة السِّتَّة اتَّفقُوا عَلَى إِخْرَاجه فِي كتبهمْ، بِخِلَاف تشهد ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ مَعْدُود من مُفْرَدَات مُسلم وإِن أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة أَيْضا.

 

ثَانِيهمَا: أَنه أصح حَدِيث فِي الْبَاب، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه»: حَدِيث ابْن مَسْعُود رُوِيَ عَنهُ من غير وَجه وَهُوَ أصح حَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي التَّشَهُّد، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن بعدهمْ من التَّابِعين، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَاق، قَالَ التِّرْمِذِيّ: ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى، أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن خصيف قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الْمَنَام فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن النَّاس قد اخْتلفُوا فِي التَّشَهُّد فَقَالَ: عَلَيْك بتشهد ابْن مَسْعُود» زَاد ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» «فَإذْ فرغت من التَّشَهُّد فسل الله الْجنَّة، وتعوذ بِهِ من النَّار» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نعم السّنة سنة ابْن مَسْعُود». وَذكر ابْن عبد الْبر بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار الْحَافِظ أَنه سُئِلَ عَن أصح حَدِيث فِي التَّشَهُّد فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي وَالله حَدِيث ابْن مَسْعُود، رُوِيَ عَنهُ من نَيف وَعشْرين طَرِيقا. ثمَّ عَددهمْ قَالَ: وَلَا أعلم أَنه يرْوَى عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي التَّشَهُّد أثبت من حَدِيث عبد الله، وَلَا أصح أَسَانِيد، وَلَا أشهر رجَالًا، وَلَا أَشد تضافرًا بِكَثْرَة الْأَسَانِيد وَاخْتِلَاف طرقها، وَإِلَيْهِ أذهب وَرُبمَا زِدْت. قَالَ ابْن عبد الْبر: كَانَ أَحْمد بن خَالِد بالأندلس يختاره، ويميل إِلَيْهِ ويتشهد بِهِ، وَذكر ابْن مَنْدَه فِي «مستخرجه» طرق حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي نَحْو ورقتين، ثمَّ نقل عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: إِنَّه من أصح مَا رُوِيَ فِي التَّشَهُّد وَبِه نَأْخُذ، وَنقل عَن مُسلم بن الْحجَّاج أَنه قَالَ: إِنَّمَا اجْتمع النَّاس عَلَى تشهد ابْن مَسْعُود؛ لِأَن أَصْحَابه لَا يُخَالف بَعضهم بَعْضًا، وَغَيره قد اخْتَلَّ أَصْحَابه. قلت: وَمَا رُجح بِهِ تشهد ابْن مَسْعُود أَيْضا أَن فِيهِ زِيَادَة وَاو الْعَطف، وَهِي تَقْتَضِي الْمُغَايرَة بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ؛ فَيكون كل جملَة ثَنَاء مستقلًّا بِخِلَاف إِسْقَاطهَا، فَإِن مَا عدا اللَّفْظ الأول يكون صفة للْأولِ وَالْأول أبلغ). انتهى كلامه.

 

قلت: هذه التشهدات الأربعة عشر ليست كلها صحيحة، وتشهد أبي بكر الصديق رواه ابن أبي شيبة، ومسدد، والطحاوي، وضعف إسناده ابن حجر لأن فيه: زيد العمي، كما في (إتحاف الخيرة المهرة ج2 ص213). والجواب عن الأحاديث الأخرى الثابتة ألخصه فيما يلي: أن أصح حديث في التشهد هو حديث ابن مسعود، كما ذكر الترمذي وغيره، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

ثم اعلم بأن الرواية المرجحة المذكورة أعلاه عامة في التشهد الأول والأخير، لا يصح حصرها بالتشهد الأخير، قال الألباني كما في (أصل صفة الصلاة): (ثم إن الحديث لم يقيد التشهدَ بالأخير؛ فحصرُ دلالته على فرضية الأخير - كما فعل الحافظ -؛ ليس كما ينبغي).

 

وأخيراً يقرر بعض المعاصرين وهو عبد الله الغماري أن هذه اللفظة (السلام على النبي) هي اجتهاد من ابن مسعود ومن وافقه !!. ثم قرر تقريرات عجيبة غريبة، وقد رد عليه الشيخ الألباني بما يكفي ويشفي الغليل، حتى وصف الغماري بقوله: المغمور بالهوى، والعياذ بالله تعالى. كما في كتابه (أصل صفة الصلاة).

 

ومع ذلك لا تثريب على من اختار لفظة (السلام عليك أيها النبي) لأن الأمر فيه سعة بحمد الله.

 

والله يهديني وجميع المسلمين إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وصلى الله على محمد وسلم.

 

 


 

الخاتمة

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

 

فقد توصلت إلى النتائج التالية:

 

1- بيان المختلف من الأحاديث في الموضوع ووجه الإشكال.

2- صحة الأحاديث التي دلت على مشروعية قول: (السلام على النبي) بصيغة الغيبة، بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فاستبان بذلك بطلان زعم الطحاوي رحمه الله القائل بضعف حديث ابن مسعود الذي رواه البخاري وآخرون، والذي ينص على مشروعية (السلام على النبي) بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

3- أن الحديث إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه، كما نص على ذلك الأئمة، كابن المديني وغيره.


 

الفهارس

 

رقم الصفحة

 

ملخص البحث                                                            2

 

المقدمة وملحقاتها                                                      3

 

الفصل الأول: بيان الأحاديث المختلفة في الموضوع، ووجه الإشكال، ودرجاتها من حيث القبول والرد                        6                                         

 

الفصل الثاني: الترجيح والاستشهاد بكلام أهل العلم          15                                      

 

الخاتمة                                                                      27

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)