حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فقد سُئلت عن صحة كلام منشور فيه حَدِيْث أَنَس: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ. وفيه أيضاً أن الثفل هو: ما بقي من الطعام، وهو ما يسمى بالعامية: (الْحكَاكَة)، هكذا مكتوب في الرسالة، فأجبت السائل حفظه الله ورعاه إلى طلبه، فأقول مستعيناً بالله:
تفسير كلمة (الثُّفْل)، الواردة في الحديث، فسرها الرواة بأكثر من تفسير وليس فقط ما ورد في الرسالة بأن المراد بالثفل هو: ما بقي من الطعام.
فقد جاء من طرق عن عَبَّاد بْن الْعَوَّامِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.
وقد فسر كلمة (الثفل): عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ فقَالَ: (يَعْنِي ثُفْلَ الْمَرَقِ).
رواه أحمد (13503) ج5 ص2811، والضياء المقدسي في (المختارة (2020، ج6 ص48).
وفسرها بأعم من ذلك عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي بأن الثُّفْل هُوَ: مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ.
رواه الترمذي في الشمائل (باب ما جاء في صفة إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم 184، ج1 ص114).
وفسرها مُحَمَّد بْنُ إِسْحَاقَ أبو بكر (ابن خزيمة)، بأن: الثُّفْل هُوَ: الثَّرِيدُ.
وهذا التفسير رجحه أيضاً التُّورِبِشْتِي (المتوفى: 661 هـ) فقال: (وفسره إبراهيم الحربي في هذا الحديث بالثريد، وأنشد: "يحلف بالله وإن لم يسأل ... ما ذاق ثفلا منذ عام أول"، قلت: وصيغة القول في الحديث تشهد له بالإصابة). انتهى كلامه (الميسر في شرح مصابيح السنة، له، ج3 ص959).
وكذا رجحه المُناوي كما في كتابه (التيسير بشرح الجامع الصغير ج2 ص543).
وقال ابن الأثير: (فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ «مَنْ كَانَ مَعَهُ ثُفْلٌ فلْيَصطنع» أَرَادَ بالثُّفْلِ الدَّقيقَ والسَّويق ونَحوَهُما. والاصْطِناع اتِّخَاذُ الصَّنيع. أرَاد فَلْيَطْبُخْ وَلْيَخْتَبِز. وَمِنْهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قَالَ: وبَيّنَ فِي سُنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَكَاةَ الفِطْر مِنَ الثُّفْل مِمَّا يَقتات الرَّجُل وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ» وَإِنَّمَا سُمِّيَ ثُفْلًا لِأَنَّهُ مِنَ الأقْوات الَّتِي يَكُونُ لَهَا ثُفْل، بِخِلَافِ الْمَائعات. وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الثُّفْل» قِيلَ هُوَ الثرِيد وَأَنْشَدَ:
يَحْلِفُ بِاللَّهِ وَإنْ لَمْ يُسْئلِ ... مَا ذَاقَ ثُفْلا مُنْذُ عَامَ أوّلِ
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَذَكَرَ فِتنة فَقَالَ: «تَكُونُ فِيهَا مِثلَ الْجَمَلِ الثَّفَال، وَإِذَا أُكرِهت فتباطأْ عَنْهَا» هُوَ الْبَطِيءُ الثَّقِيل. أَيْ لَا تَتَحَرَّكْ فِيهَا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلَعَلَّهُمَا حَدِيثان. وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَال». وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «وتَدُقّهم الْفِتَنُ دقَّ الرَّحا بثِفَالِها» الثِّفَال- بِالْكَسْرِ- جِلْدَةٌ تُبْسَط تَحْتَ رَحَا الْيَدِ لِيَقَعَ عَلَيْهَا الدَّقِيقُ، ويُسَمى الْحَجَرُ الأسفلُ ثُفَالًا بِهَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تَدُقُّهُمْ دقَّ الرَّحا للحَبّ إِذَا كَانَتْ مُثَفَّلَة، وَلَا تُثَفَّل إِلَّا عِنْدَ الطَّحْن. وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «اسْتَحار مَدارُها، واضْطَربَ. ثِفَالُها». وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّهُ غَسل يدَيْه بالثِّفَال» هُوَ- بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ- الْإِبْرِيقُ). انتهى (النهاية في غريب الحديث والأثر، له، ج1 ص215).
وبالرجوع إلى كتب اللغة الأصيلة يتبين بأن (الثُّفْلُ) تُطلق على أكثر من معنى كما تقدم من تفسير الرواة لها، فقال الإمام المحدث اللغوي أبو منصور الأزهري: (الثُّفْلُ: مَا رَسَب خُثارته وعَلا صَفْوه من الأشْياء كُلّها. ثُفْل القِدْر، وثُفْل الْحَبّ، وَنَحْوه. وَأهل البَدو إِذا أَصَابُوا من اللَّبن مَا يَكْفيهم لقُوتهم فهم مُخْصبون لَا يختارون عَلَيْهِ غِذَاء مِن تَمر وزَبيب أَو حَبّ؛ فَإِذا أَعوزهم اللّبَنُ وَأَصَابُوا من الحَبّ والتَّمر مَا يَتَبَلّغون بِهِ فهم مُثافلون. ويُسمون كُل مَا يُؤْكل من لَحم أَو خُبز أَو تمر ثُفْلاً). (تهذيب اللغة، له، ج15 ص66).
وتُطلق هذه الكلمة على معانٍ أُخر لا تتعلق بالحديث، كما في المصادر السابقة.
هذا وقد تكلم العلماء في الحكمة والسبب من هذا الإعجاب، فإليك بعض ما قالوا:
قال علي القاري: (قال المظهر: أي بما بقي في القِدر وهو المشهور عند أهل الحديث والمسموع من أفواه المشايخ، ولعل وجه إعجابه أنه منضوج غاية النضج القريب إلى الهضم ويكون أقل دهانة فهو أهنأ وأمرأ، وفيه إشارة إلى التواضع وإيماء إلى القناعة وإشعار إلى قوله برواية الترمذي وغيره "ساقي القوم آخرهم شربا"، وقال زين العرب أي ما بقي في القصعة ويؤيده ما سيأتي في فضيلة اللحس والأظهر قول المظهر لأنه يجمع المعاني السابقة وما تقرر من أن دأبه هو الإيثار وملاحظة الغير من الأهل والعيال والضيفان وأرباب الحوائج وتقديمهم على نفسه فلا جرم كان يصرف الطعام الواقع في أعالي القدر والظروف إليهم ويختار لخاصته ما بقي منه من الأسافل رعاية لسلوك سبيل التواضع وطريق الصبر وفيه رد على كثير من أغبياء الأغنياء حيث يتكبرون ويأنفون من أكل الثفل ويصبونه والله تعالى جعل بجميل حكمته في جميع أقواله وأفعاله صنوف اللطائف وألوف المعارف والطرائف فطوبى لمن عرف قدره واقتفى أثره والله الموفق لما قدره). (مرقاة المفاتيح ج12 ص469).
فائدة حديثية:
الحديث حسنه السيوطي في (الجامع الصغير 7088، ج2 ص213). وقال المُناوي: سنده جيد. كما في (كشف المناهج ج3 ص504). وصححه الألباني في صحيح (الجامع 9110).
وكتب
عبد الله بن سعيد الهليل
27 جمادى الأولى 1441
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، أما بعد:
تفسير كلمة (الثُّفْل)، الواردة في الحديث، فسرها الرواة بأكثر من تفسير وليس فقط ما ورد في الرسالة بأن المراد بالثفل هو: ما بقي من الطعام.
فقد جاء من طرق عن عَبَّاد بْن الْعَوَّامِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.
وقد فسر كلمة (الثفل): عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ فقَالَ: (يَعْنِي ثُفْلَ الْمَرَقِ).
رواه أحمد (13503) ج5 ص2811، والضياء المقدسي في (المختارة (2020، ج6 ص48).
وفسرها بأعم من ذلك عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي بأن الثُّفْل هُوَ: مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ.
رواه الترمذي في الشمائل (باب ما جاء في صفة إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم 184، ج1 ص114).
وفسرها مُحَمَّد بْنُ إِسْحَاقَ أبو بكر (ابن خزيمة)، بأن: الثُّفْل هُوَ: الثَّرِيدُ.
رواه الحاكم في مستدركه (7209) ج4 ص115.
وكذا رجحه المُناوي كما في كتابه (التيسير بشرح الجامع الصغير ج2 ص543).
وقال ابن الأثير: (فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ «مَنْ كَانَ مَعَهُ ثُفْلٌ فلْيَصطنع» أَرَادَ بالثُّفْلِ الدَّقيقَ والسَّويق ونَحوَهُما. والاصْطِناع اتِّخَاذُ الصَّنيع. أرَاد فَلْيَطْبُخْ وَلْيَخْتَبِز. وَمِنْهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قَالَ: وبَيّنَ فِي سُنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَكَاةَ الفِطْر مِنَ الثُّفْل مِمَّا يَقتات الرَّجُل وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ» وَإِنَّمَا سُمِّيَ ثُفْلًا لِأَنَّهُ مِنَ الأقْوات الَّتِي يَكُونُ لَهَا ثُفْل، بِخِلَافِ الْمَائعات. وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الثُّفْل» قِيلَ هُوَ الثرِيد وَأَنْشَدَ:
يَحْلِفُ بِاللَّهِ وَإنْ لَمْ يُسْئلِ ... مَا ذَاقَ ثُفْلا مُنْذُ عَامَ أوّلِ
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَذَكَرَ فِتنة فَقَالَ: «تَكُونُ فِيهَا مِثلَ الْجَمَلِ الثَّفَال، وَإِذَا أُكرِهت فتباطأْ عَنْهَا» هُوَ الْبَطِيءُ الثَّقِيل. أَيْ لَا تَتَحَرَّكْ فِيهَا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلَعَلَّهُمَا حَدِيثان. وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَال». وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «وتَدُقّهم الْفِتَنُ دقَّ الرَّحا بثِفَالِها» الثِّفَال- بِالْكَسْرِ- جِلْدَةٌ تُبْسَط تَحْتَ رَحَا الْيَدِ لِيَقَعَ عَلَيْهَا الدَّقِيقُ، ويُسَمى الْحَجَرُ الأسفلُ ثُفَالًا بِهَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تَدُقُّهُمْ دقَّ الرَّحا للحَبّ إِذَا كَانَتْ مُثَفَّلَة، وَلَا تُثَفَّل إِلَّا عِنْدَ الطَّحْن. وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «اسْتَحار مَدارُها، واضْطَربَ. ثِفَالُها». وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّهُ غَسل يدَيْه بالثِّفَال» هُوَ- بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ- الْإِبْرِيقُ). انتهى (النهاية في غريب الحديث والأثر، له، ج1 ص215).
وبالرجوع إلى كتب اللغة الأصيلة يتبين بأن (الثُّفْلُ) تُطلق على أكثر من معنى كما تقدم من تفسير الرواة لها، فقال الإمام المحدث اللغوي أبو منصور الأزهري: (الثُّفْلُ: مَا رَسَب خُثارته وعَلا صَفْوه من الأشْياء كُلّها. ثُفْل القِدْر، وثُفْل الْحَبّ، وَنَحْوه. وَأهل البَدو إِذا أَصَابُوا من اللَّبن مَا يَكْفيهم لقُوتهم فهم مُخْصبون لَا يختارون عَلَيْهِ غِذَاء مِن تَمر وزَبيب أَو حَبّ؛ فَإِذا أَعوزهم اللّبَنُ وَأَصَابُوا من الحَبّ والتَّمر مَا يَتَبَلّغون بِهِ فهم مُثافلون. ويُسمون كُل مَا يُؤْكل من لَحم أَو خُبز أَو تمر ثُفْلاً). (تهذيب اللغة، له، ج15 ص66).
وقال ابن سيده: (ثُفْلُ كُلِّ شَيْءٍ وثافِلُه ما اسْتَقَرَّ تَحْتَه من كَدَرِه، والثافِل الرَّجِيعُ وقِيلَ هو كِنايَةٌ عنه، والثُّفْلُ الحَبُّ ووَجَدَتُ بَنِي فُلانٍ مُثافِلِينَ أَي يَأْكُلُونَ الحَبَّ وذلِكَ أَشَدُّ من الشَّظَفِ). (المحكم والمحيط الأعظم، له، ج10 ص152).
هذا وقد تكلم العلماء في الحكمة والسبب من هذا الإعجاب، فإليك بعض ما قالوا:
قال علي القاري: (قال المظهر: أي بما بقي في القِدر وهو المشهور عند أهل الحديث والمسموع من أفواه المشايخ، ولعل وجه إعجابه أنه منضوج غاية النضج القريب إلى الهضم ويكون أقل دهانة فهو أهنأ وأمرأ، وفيه إشارة إلى التواضع وإيماء إلى القناعة وإشعار إلى قوله برواية الترمذي وغيره "ساقي القوم آخرهم شربا"، وقال زين العرب أي ما بقي في القصعة ويؤيده ما سيأتي في فضيلة اللحس والأظهر قول المظهر لأنه يجمع المعاني السابقة وما تقرر من أن دأبه هو الإيثار وملاحظة الغير من الأهل والعيال والضيفان وأرباب الحوائج وتقديمهم على نفسه فلا جرم كان يصرف الطعام الواقع في أعالي القدر والظروف إليهم ويختار لخاصته ما بقي منه من الأسافل رعاية لسلوك سبيل التواضع وطريق الصبر وفيه رد على كثير من أغبياء الأغنياء حيث يتكبرون ويأنفون من أكل الثفل ويصبونه والله تعالى جعل بجميل حكمته في جميع أقواله وأفعاله صنوف اللطائف وألوف المعارف والطرائف فطوبى لمن عرف قدره واقتفى أثره والله الموفق لما قدره). (مرقاة المفاتيح ج12 ص469).
فائدة حديثية:
الحديث حسنه السيوطي في (الجامع الصغير 7088، ج2 ص213). وقال المُناوي: سنده جيد. كما في (كشف المناهج ج3 ص504). وصححه الألباني في صحيح (الجامع 9110).
وكتب
عبد الله بن سعيد الهليل
27 جمادى الأولى 1441
تعليقات
إرسال تعليق