خطبة الجمعة (التحذير من تفسير القرآن والسنة بغير تفسير السلف الصالح )
خطبة الجمعة (التحذير من تفسير القرآن والسنة بغير تفسير السلف الصالح )
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف 108) يَقًوْلُ
اللهُ تَعَالَى لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ: الْإِنْسِ
وَالْجِنِّ، آمِرًا لَهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ: أَنَّ هَذِهِ سَبِيلُهُ، أَيْ
طَرِيقُهُ وَمَسْلَكُهُ وَسُنَّتُهُ، وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِهَا
عَلَى بَصِيرة مِنْ ذَلِكَ، وَيَقِينٍ وَبُرْهَانٍ، هُوَ وَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَهُ،
يَدْعُو إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ على بَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ وَبُرْهَانٍ شَرْعِيٍّ وَعَقْلِيٍّ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء 115)
وَإِنَّ مُخَالَفَةَ فَهْمِ الْمُؤْمِنِيْنَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِيْنَ
لِلقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ دَاخِلٌ فِيْ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيْلِهِمْ، لِأَنَّ
اللهَ أَمَرَ بِاَخْذِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ. قَالَ تَعَالَى فِيْ مَوْضِعَيْنِ مِنْ
كِتَابِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي
إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
(النحل 43) (الأنبياء 7).
وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِهِ
لِأَنْبِيَائِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ بِالْاقْتِدَاءِ بِهُدَاهُمْ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ
الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ
عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ *
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى
وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى
وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ
وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ
بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ *
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (الأنعام 82 - 90)
فَيَا عَبْدَ اللهِ احْذَرْ ثُمَّ احْذَرْ أَنْ تُفَسِّرَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ
بِمُجَرَّدِ فَهْمِكَ، مِنْ غَيْرِ فَهْمِ الْمُؤْمِنِيْنَ مِنَ السَّلَفِ
الصَّالِحِيْنَ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَقَدْ
قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا
طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا
عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة 169) وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
(الأعراف 33) وَفِيْ هَذِهِ الْآيَةِ قَرَنَ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
مَعَ الشِّرْكِ بِهِ الَّذِيْ هُوَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ أَعْظَمِ الْجُرْمِ.
هّذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ
يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا
عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ
قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (غافر 35) أَيِ: الَّذِينَ يَدْفَعُونَ الْحَقَّ
بِالْبَاطِلِ، وَيُجَادِلُونَ الْحُجَجَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَحُجَّةٍ مَعَهُمْ مِنَ
اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَقْتِ؛ وَلِهَذَا
قَالَ تَعَالَى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}
أَيْ: وَالْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا يُبغضُون مَنْ تَكُونُ هَذِهِ صِفَتَهُ، فَإِنَّ
مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ، يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، فَلَا يَعْرِفُ
بَعْدَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {كَذَلِكَ
يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} أَيْ: عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ
{جَبَّارٍ}. عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ مَعَ كَثْرَةِ الْقَائِلِيْنَ عَلَى اللهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ، الَّذِيْنَ يُفَسِّرُوْنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ
وَالْأَحَادِيْثِ النَّبَوِيَّةِ بِغَيْرِ طَرِيْقَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ
يَنْبَغِيْ عَلَيْنَا التَّفَطُّنُ لِأُمُوْرٍ، مِنْهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ
وَالسُّنَّةَ لَا يُفْهَمَانِ بِمُجَرَّدِ الْإِعْرَابِ النَّحْوِيِّ،
بَلْ لَابُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ فَهْمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ لَهُمَا.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ
رَحِمَهُ اللهُ: ((وَيَنْبَغِيْ أَنْ يُتَفَطَّنَ هَهُنَا لِأَمْرٍ لَابُدَّ مِنْهُ
وَهُوَ: أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُفَسَّرَ
بِمُجَرَّدِ الْاحْتِمَالِ النَّحْوِيِّ الْإِعْرَابِيَّ الَّذِيْ يَحْتَمِلُهُ تَرْكِيْبُ
الْكَلَامِ، وَيَكُوْنُ الْكَلَامُ بِهِ لَهُ مَعْنَىً مَا، فَإِنَّ هَذَا مَقَامٌ
غَلِطَ فِيْهِ أَكْثَرُ الْمُعْرِبِيْنَ لِلْقُرْآنِ!، فَإِنَّهُمْ يُفَسِّرُوْنَ
الْآيَةَ وَيُعْرِبُوْنَهَا بِمَا يَحْتَمِلُهُ تَرْكِيْبُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ وَيُفْهَمُ
مِنْ ذَلِكَ التَّرْكِيْبِ أَيُّ مَعْنَىً اتَّفَقَ!، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيْمٌ!،
يَقْطَعُ السَّامِعُ بِأَنَّ مَرَادَ الْقُرْآنِ غَيْرُهُ، وَإِنِ احْتَمَلَ ذَلِكَ
التَّرْكِيْبُ هَذَا الْمَعْنَى فِيْ سِيَاقٍ آخَرَ وَكَلَامٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا
يَلْزَمُ أَنْ يَحْتَمِلَهُ الْقُرْآنُ، مِثْلُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فِيْ قِرَاءَةِ
مَنْ قَرَأَ (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) بِالْجَرِّ فِيْ قَوْلِهِ وَالْأَرْحَامِ: أنه
قَسَمٌ!، وَمِثْلُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إِنَّ (الْمَسْجِدَ) مَجْرُوْرٌ
بِالْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيْرِ الْمَجْرُوْرِ فِيْ (بِهِ) ! وَمِثْلُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ
فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُم وَالْمُؤْمِنُونَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ
الصَّلَاةَ} إِنَّ (الْمُقِيمِينَ) مَجْرُوْرٌ بِوَاوِ الْقَسَمِ!، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ
أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا ذَكَرْنَا، وَأَوْهَى بِكَثِيْرٍ، بَلْ لِلْقُرْآنِ عُرْفٌ
خَاصٌّ ، وَمَعَانٍ مَعْهُوْدَةٌ، لَا يُنَاسِبُهُ تَفْسِيْرُهُ بِغَيْرِهَا، وَلَا
يَجُوْزُ تَفْسِيْرُهُ بِغَيْرِ عُرْفِهِ وَالْمَعْهُوْدِ مِنْ مَعَانِيْهِ، فَإِنَّ
نِسْبَةَ مَعَانِيْهِ إِلَى الْمَعَانِيْ كَنِسْبَةِ أَلْفَاظِهِ إِلَى الْأَلْفَاظِ،
بَلْ أَعْظَمُ، فَكَمَا أَنَّ أَلْفَاظَهُ مُلُوْكُ الْأَلْفَاظِ وَأَجَلِّهَا وَأَفْصَحِهَا،
وَلَهَا مِنَ الْفَصَاحَةِ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا الَّتِيْ تَعْجَزُ عَنْهَا قُدَرُ
الْعَالَمِيْنَ ؛ فَكَذَلِكَ مَعَانِيْهِ أَجَلُّ الْمَعَانِيْ وَأَعْظَمُهَا وَأَفْخَمُهَا،
فَلَا يَجُوْزُ تَفْسِيْرُهُ بِغَيْرِهَا مِنَ الْمَعَانِيْ الَّتِيْ لَا تَلِيْقُ
بِهِ، بَلْ غَيْرُهَا أَعْظَمُ مِنْهَا وَأَجَلُّ وَأَفْخَمُ، فَلَا يَجُوْزُ حَمْلُهُ
عَلَى الْمَعَانِيْ الْقَاصِرَةِ بِمُجَرَّدِ الْاحْتِمَالِ النَّحْوِيِّ الْإِعْرَابِيِّ،
فَتَدَبَّرْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ، وَلْتَكُنْ مِنْكَ عَلَى بَالٍ، فَإِنَّكَ تَنْتَفِعُ
بِهَا فِيْ مَعْرِفَةِ ضَعْفِ كَثِيْرٍ مِنْ أَقْوَالِ الْمُفَسَّرِيْنَ وَزَيْفِهَا،
وَتَقْطَعُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ -تَعَالَى- بِكَلَامِهِ)) [بدائع الفوائد 3 –
876 بتصرف]
وَقَالَ
الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُعَلِّمِيُّ
رَحِمَهُ
اللهُ:((وَالْخَوَارِجُ عَرَبٌ فُصَحَاءُ، بِلُغَتِهِمْ
نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا أُتُوْا مِنْ جَهْلِهِمْ بِالْهَدْيِ النَّبَوِيِّ،
وِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنِ الْاهْتِدَاءِ بِالْعَارِفِيْنَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ،
فَمَا بَالُكَ بِزَمَانِنَا هَذَا وَأَنْتَ تَجِدُ فِيْهِ أَفْرَادَاً مِنَ الْأَعَاجِمِ
لَا يَسْتَطِيْعُ أَحَدُهُمْ تَرْكِيْبَ جُمْلَةٍ صَحِيْحَةٍ بِالْعَرَبِيَّةِ!، وَلَيْسَ
عِنْدَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ السُّنَّةِ وِتَفَاسِيْرِ السَّلَفِ قَلِيْلٌ وَلَا كَثِيْرٌ!،
ثُمَّ تَجِدُهُ يَخُوْضُ فِيْ آيَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَوْضَ الْمُدِلِّ بِنَفْسِهِ!،
فَيَنْظُرُ فِيْ الْآيَةِ، ثُمَّ يَتَتَبَّعُ مَعَانِيْ مَا فِيْهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ
فِيْ كُتُبِ اللُّغَةِ، ثُمَّ يُلَفِّقُ مِنْ ذَلِكَ مَعْنَىً كَمَا يُوَافِقُ هَوَاهُ!،
فَيَزْعُمُ أَنَّهُ مُرَادُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ!، ثُمَّ يَبْنِيْ عَلَى ذَلِكَ دِيْنَاً
جَدِيْدَاً وَشَرِيْعَةً مُخْتَرَعَةً، وَيُضَلِّلُ سَلَفَ الْأُمَّةِ! وَيُكَذِّبُ
السُّنَّةِ!، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ؟! فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى)) [آثار المعلمي (19/64)]
وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (فَحَذَارِ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنْ تُحَاوِلَ فَهْمَ الْقُرْآنِ
مُسْتَقِلَّاً عَنِ السُّنَّةِ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيْعَ ذَلِكَ وَلَوْ كُنْتَ
فِيْ اللُّغَةِ سِيْبَوَيْهِ زَمَانِكَ)! (صفة
الصلاة ص171)
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عُلُوْمَاً نَافِعَةً وَأَعْمَالَاً
صَالِحَةً مُتَقَبَّلَةً وَأَرْزَاقَاً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً وَاسِعَةً، اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ إِنَّا
نَعُوْذُ بِكَ مِنْ قُلُوْبٍ لَا تَخْشَعْ وَمِنْ عُلُوْمٍ لَا تَنْفَعْ وَمِنْ
نُفُوْسٍ لَا تَشْبَعْ وَمِنْ دَعَوَاتٍ لَا تُسْمَعْ وَمِنْ عُيُوْنٍ لَا
تَدْمَعْ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسَيِّءِ
الْأَخْلَاقِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ
اللَّهُمَّ آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا
وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَوُلَاةَ أَمُوْرِنَا وَجَمِيْعِ
الْمُسْلِمِيْنَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى
آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدً لِله
رَبِّ الْعِالَمِيْنَ.
بصيغة pdf:
https://t.me/ALHLYL/704
word:
https://t.me/ALHLYL/703
تعليقات
إرسال تعليق