خطبة الجمعة: سُورَة ق وتفسيرها [3]
خطبة الجمعة: سُورَة ق وتفسيرها [3]
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ
قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ
عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ
قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27)
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (29)}
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِعَمَلِ ابْنِ آدَمَ:
أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا فَعَلَ وَيَقُولُ: {هَذَا
مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أَيْ: مُعَدٍ مُحْضَرٌ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا كَلَامُ الْمَلَكِ السَّائِقِ يَقُولُ: هَذَا ابْنُ
آدَمَ الَّذِي وَكَّلْتَنِي بِهِ، قَدْ أَحْضَرْتُهُ. وَهَذَا يَعُمُّ السَّائِقَ
وَالشَّهِيدَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْكُمُ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فِي
الْخَلِيقَةِ بِالْعَدْلِ فَيَقُولُ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ
عَنِيدٍ} وَقَدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي قَوْلِهِ: {أَلْقِيَا} فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ يُخَاطِبُونَ الْمُفْرَدَ
بِالتَّثْنِيَةِ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ نُونُ التَّأْكِيدِ، سُهِّلَتْ إِلَى
الْأَلْفِ. وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَقْفِ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ مَعَ السَّائِقِ وَالشَّهِيدِ، فَالسَّائِقُ
أَحْضَرَهُ إِلَى عَرْصَةِ الْحِسَابِ، فَلَمَّا أَدَّى الشَّهِيدُ عَلَيْهِ،
أَمَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْقَائِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} أَيْ: كَثِيرُ الْكُفْرِ
وَالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، {عَنِيدٌ}: مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ، مُعَارِضٌ لَهُ
بِالْبَاطِلِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ. {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أَيْ: لَا يُؤَدِّي
مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَلَا بِرَّ فِيهِ وَلَا صِلَةَ وَلَا صَدَقَةَ،
{مُعْتَدٍ} أَيْ: فِيمَا يُنْفِقُهُ وَيَصْرِفُهُ، يَتَجَاوَزُ فِيهِ الْحَدَّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مُعْتَدٍ فِي مَنْطِقِهِ وَسِيرَتِهِ وَأَمْرِهِ. {مُرِيبٍ}
أَيْ: شَاكٌّ فِي أَمْرِهِ، مُرِيبٌ لِمَنْ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ.
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}
أَيْ: أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَعَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ، {فَأَلْقِيَاهُ فِي
الْعَذَابِ الشَّدِيدِ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ،
وَغَيْرُهُمْ فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ قَرِينُهُ}: هُوَ الشَّيْطَانُ
الَّذِي وُكِّلَ بِهِ: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أَيْ: يَقُولُ عَنِ
الْإِنْسَانِ الَّذِي قَدْ وَافَى الْقِيَامَةَ كَافِرًا، يَتَبَرَّأُ مِنْهُ
شَيْطَانُهُ، فَيَقُولُ: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أَيْ: مَا أَضْلَلْتُهُ،
{وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أَيْ: بَلْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ ضَالًّا
قَابِلًا لِلْبَاطِلِ مُعَانِدًا لِلْحَقِّ. كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ
الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ
اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ
لِيَ عَلَيْكُمْ مِن سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا
تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ
بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ إِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إِبْرَاهِيمَ: 22]. وَقَوْلُهُ: {قَالَ
لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لِلْإِنْسِيِّ
وَقَرِينِهِ مِنَ الْجِنِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَخْتَصِمَانِ بَيْنَ يَدَيِ
الْحَقِّ فَيَقُولُ الْإِنْسِيُّ: يَا رَبِّ، هَذَا أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي. وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ
وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أَيْ: عَنْ مَنْهَجِ الْحَقِّ. فَيَقُولُ
الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} أَيْ: عِنْدِي،
{وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} أَيْ: قَدْ أَعْذَرْتُ إِلَيْكُمْ
عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ، وَأَنْزَلْتُ الْكُتُبَ، وَقَامَتْ عَلَيْكُمُ
الْحُجَجُ وَالْبَيِّنَاتُ وَالْبَرَاهِينُ. {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي قَدْ قَضَيْتُ مَا أَنَا قَاضٍ، {وَمَا أَنَا بِظَلامٍ
لِلْعَبِيدِ} أَيْ: لَسْتُ أُعَذِّبُ أَحَدًا بِذَنْبِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ لَا
أُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بِذَنْبِهِ، بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ.
هّذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ
الْجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ
وَسَلَّمَ.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا
بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ
الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ
مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ
فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَوْمَ
نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ
لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ
مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا
يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) }
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَقُولُ
لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَعَدَهَا
أَنْ سَيَمْلَؤُهَا مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ
يَأْمُرُ بِمَنْ يَأْمُرُ بِهِ إِلَيْهَا وَيُلْقَى وَهِيَ تَقُولُ: {هَلْ مِنْ
مَزِيدٍ} أَيْ: هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ تَزِيدُونِي؟ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ
سِيَاقِ الْآيَةِ، وَعَلَيْهِ تَدَلُّ الْأَحَادِيثُ: فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ
عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ : هَلْ
مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
قَدَمَهُ فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ
). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (تَحَاجَّتِ النَّارُ
وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتِ النَّارُ : أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ
وَالْمُتَجَبِّرِينَ ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ : فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا
ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعُجَّزُهُمْ ؟ فَقَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ:
أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَقَالَ لِلنَّارِ :
أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْكُمْ مِلْؤُهَا ، فَأَمَّا النَّارُ : فَلَا تَمْتَلِئُ ، فَيَضَعُ قَدَمَهُ
عَلَيْهَا فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى
بَعْضٍ ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَقَالَ بَعْضُ
الْمُفَسِّرِيْنَ {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}: هَلْ بَقِيَ فِيَّ مِنْ مَزِيدٍ؟ وَذَلِكَ
حِينَ لَا يَبْقَى فِيهَا مَوْضِعٌ يَسَعُ إِبْرَةً. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ
لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} : قَالَ قَتَادَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ،
وَالسُّدِّيُّ: {أُزْلِفَتِ} أُدْنِيَتْ وَقُرِّبَتْ مِنَ الْمُتَّقِينَ، {غَيْرَ
بَعِيدٍ} وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ
لَا مَحَالَةَ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ. {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ
أَوَّابٍ} أَيْ: رَجَّاعٌ تَائِبٌ مُقْلِعٌ، {حَفِيظٍ} أَيْ: يَحْفَظُ الْعَهْدَ
فَلَا يَنْقُضُهُ وَلَا يَنْكُثُهُ.
وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: الْأَوَّابُ:
الْحَفِيظُ الَّذِي لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا فَيَقُومُ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ
اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ. {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} أَيْ: مَنْ خَافَ
اللَّهَ فِي سِرِّهِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ. كَقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السَبْعَةِ الذِيْنَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ
يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ
عَيْنَاهُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} أَيْ: وَلَقِيَ
اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ مُنِيبٍ إِلَيْهِ خَاضِعٍ لَدَيْهِ.
{ادْخُلُوهَا} أَيِ: الْجَنَّةَ {بِسَلامٍ} ، قَالَ قَتَادَةُ: سَلِمُوا مِنْ
عَذَابِ اللَّهِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} أَيْ:
يَخْلُدُونَ فِي الْجَنَّةِ فَلَا يَمُوتُونَ أَبَدًا، وَلَا يَظْعَنُونَ أَبَدًا،
وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا.
وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا}
أَيْ: مَهْمَا اخْتَارُوا وَجَدُوا مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ طَلَبُوا
أُحْضِرَ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يُونُسَ: 26] . وَقَدْ جَاءَ فِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ صُهَيب بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ تَفْسِيْرُ الزِّيَادَةِ:
بِأَنَّهَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ
وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} قَالَ: يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كُلِّ
جُمُعَةٍ.
اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ
قُلُوْبَنَا عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ
الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ،
وَنَعُوْذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ
وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَنَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ
قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَنَعُوْذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ
قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَنَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ
وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَسْتَعِيذُكَ مِمَّا
اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَنَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ
رَشَداً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ
اللَّهُمَّ آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا
وَلِوَالِدِيْنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَوُلَاةَ
أَمُوْرِنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ.
من مصادر الخطبة: تفسير الحافظ ابن كثير.
بصيغة pdf:
word:
تعليقات
إرسال تعليق