[ تلخيص ونقد المجلد الأول من كتاب (الوضع في الحديث) للدكتور: عمر حسن فلاتة ]

 


 [ تلخيص ونقد المجلد الأول من كتاب (الوضع في الحديث) للدكتور: عمر حسن فلاتة ]

 

تأليف:

عبد الله بن سعيد الهليل الشمري

1445 ه

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن كتاب (الوضع في الحديث) المكوّن من مجلدين، للدكتور عمر حسن فلاتة، من أبرز التصانيف في موضوعه، وهو المعتمد في بعض الجامعات القديمة، لكنه لا يخلو من أخطاء وتعقبات هامة، ولذلك رأيت أن من النصيحة تلخيصه، وبذل الوسع في إصلاح الخطأ، مع نشر ذلك على الملأ، ولعل عملي هذا يصل إلى مؤلفه فيغير الخطأ في طبعة جديدة.

فهذا البحث عبارة عن: تلخيص للمجلد الأول في عبارات موجزة، مع ذكر انتقاداتي عليه، وقد اعتمدت في تلخيصه على الطبعة الأولى (مكتبة الغزالي)، ثم استبان لي مؤخراً أنه لابد من الاعتماد على الطبعة الأخيرة للكتاب، وهي طبعة دار المنهاج (1437 هـ)، لأجل الاستدراكات والتنبيهات الهامة فيها، فأقول مستعينا بالله متوكلا عليه، فلا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى:

في هذا البحث قسمان: الأول: جعلته للفصل الأول من الكتاب. والقسم الثاني: جعلته للفصل الثاني والثالث.

القسم الأول: تلخيص وانتقاد الفصل الأول:

تلخيص الفوائد:

أولا:

الوضع لغة يشمل معانٍ عديدة، منها: الحط والإسقاط والاختلاق والإلصاق، وهذه المعاني كلها تتناسب مع المعنى الاصطلاحي.

والوضع اصطلاحاً –عند الأكثرين- هو: ( الحديث المختلق المصنوع المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم عمداً أو خطأً )

وقد صرح بعض المحدثين بأن الموضوع هو ما كان عن عمد فقط، منهم: أبو العلاء الهمذاني كما في (التوسل والوسيلة)، والذهبي في (الموقظة)، والكافيجي في (أصول الحديث)، والقاسمي في (قواعد التحديث).

وقد خصوا تسمية ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأً من غير قصد بأسماء خاصة، كالإدراج، والقلب، والعلة، مما لا يعتبر موضوعاً حسب اصطلاحهم، وإنْ كان الحكم فيها الرد.

وسماه المعلمي: الباطل.

كما يرى البعض أن الحكم على الحديث بالوضع وعدمه إنما هو من الأمور الظنية التي لا ينبغي التسرع فيها بل الاحتياط فيها ينبغي مراعاته، وعدم التسرع في الحكم بالوضع يقتضي عدم الحكم بالوضع على غير المتعمد.

ثم رجّح المصنف التعريف الأول (أي: ما وُضع خطأً وعمدا)، وسار عليه، معللاً ذلك بأن مكانة ومنزلة السنة التي هي المصدر الثاني للتشريع دعت إلى ذلك، فلا بد من التشدد والتثبت فيها، وردِّ ما غلب على الظن أنه ليس منها. ناسباً ذلك إلى منهج السلف من المحدثين.

قلت: وفي الطبعة الأخيرة للكتاب، وهي طبعة دار المنهاج (1437 هـ)، كتب الدكتور إبراهيم بن محمد نور بن سيف في الحاشية تفصيلاً في هذا التقرير، وذكر الأدلة والأسباب التي جعلت المؤلف ينسبه إلى أكثر العلماء، ومن الأدلة على ذلك: أن إطلاقهم بعدم تحديد الخطأ أو العمد في تعريفهم للموضوع يدل على ذلك، ومن الأدلة التي ذكرها: تصريح الحافظ العراقي في (شرح التبصرة والتذكرة)، والشيخ طاهر الجزائري في (توجيه النظر)، والمعلمي اليماني في مقدمة تحقيقه لكتاب الشوكاني (الفوائد المجموعة)، والشيخ ظفر التهاوني في (قواعد علوم الحديث)، كلهم صرحوا بشمول الموضوع للخطأ كما العمد.

قلت: ومع ذلك فلا ينبغي تصوير القول المختار على أنه قول السلف من المحدثين، كما صرح بذلك المؤلف، لأن من جهابذة المحدثين من يختار القول الآخر ! ، فلا ينبغي هذا التعميم.

ثانيا:

وجوب التفريق بين خطأ الثقة وخطأ غيره، فلا يليق أن يصدر الموضوع عن الموصوف بالثقة، ولأنه من الصعب التوصل لنفيه البتة، بيقين أو بظن غالب، وإنْ تهيّأت أسباب رده، وما أمكن فيه ذلك فهو من قبيل النادر الذي لا تبنى عليه الأحكام.

لكن الأمر بخلاف ذلك فيمن ليس بثقة، ومنْ يمكن أن يوصف بوصف عام هو: (غير المتحري)، ويعني به: الصدوق كثير الخطأ، ومن في منزلته، لكون هذا النوع من الرواة يكثر أن يصدر منه ما انتفت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وبناء على ذلك: يكون التعريف الشامل للموضوع هو: ( الحديث المختلق المصنوع المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم عمداً أو خطأً ) أي من غير المتحري. (وهذا مأخوذ أيضا من حاشية الدكتور إبراهيم بن محمد نور بن سيف، على الطبعة الأخيرة).

 

ثالثا:

زاد الشيخ أبو شهبة في تعريفه: ( ... أو على من بعده من الصحابة والتابعين، ولكنه إذا أُطلق ينصرف إلى الموضوع على النبي صلى الله عليه وسلم، أما الموضوع على غيره فإنه يقيد، فيقال مثلا: "موضوع على ابن عباس"، أو "على مجاهد" مثلا).

 

 

رابعا:

ينقسم الموضوع من حيث مادته إلى قسمين: الأول: اختلاقُ كلامٍ ونسبته إلى السنة. والثاني: نقل كلام من كلام الصحابة أو الحكماء أو الفقهاء أو غيرهم ونسبته إلى السنة.

 

خامسا:

الأصل أن الموضوع ليس من الحديث، وسبب اعتباره من الحديث عند العلماء يرجع إلى أمور، منها: أن الحكم على الحديث بالوضع إنما هو أمر ظني يترجح للعالم عدم عزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم غالبا، ونادرا ما يقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله أو يفعله أو يقره، والحكم بالظن وإن كان راجحا إلا أن احتمال كونه صدقا في نفس الأمر مسوغ لذكره في كتب الحديث. ومنها: أن إدراج الموضوع في كتب الحديث إنما هو بالنظر إلى زعم واضعه. ومنها: أنه أُدرج في الحديث من أجل طرقه التي يتوصل بها لمعرفة كذبه.

 

سادسا:

الألفاظ الدالة على الوضع نوعان: الأول: الألفاظ الصريحة كقولهم عن الوضاع: يضع الحديث، والثاني: ألفاظ كناية تدل على الوضع، كقولهم: باطل وساقط. وهناك ألفاظ تدل على الوضع خاصة باصطلاحات بعض الأئمة، يكنون بها عن الوضع، كقول أبي حاتم الرازي: (فلانٌ مُودٍ) أي هالك. وكقول البخاري: (منكر الحديث). فقد صرح في رواية عنه أنه أراد بها من لا تحل الرواية عنه.

تنبيه: لم يذكر المصنف الألفاظ الدالة على الوضع من حيث المتن، وهي أهم، مثل: باطل، ولا أصل له.

 

سابعا:

المحدثون يصفون الراوي بالكذب ليس فقط عندما يضع حديثاً من عنده، وإنما يصفونه بذلك أيضا عندما يخل بطريقة التحمل والأداء، كقبول التلقين، وكادعاء السماع كذباً، وكسرقة الحديث، وكقلب الإسناد، وكإلزاق الحديث، وهو: أن يلزق الراوي حديثاً على شيخ، أو يزيدها في كتابه، أو يسقط الضعيف من الإسناد ويسوي حديثه، وهي قريبة من قلب الحديث، إلا أن الغالب في إلزاق الحديث أن يكون مدار الحديث على ضعيف، فيأتي الراوي وينسبه إلى شيخ ثقة مقبول الرواية، ولا يشترط أن يكون المنسوب إليه الحديث من طبقة الراوي الذي عليه مدار الحديث، وهذا هو الفارق بين القلب والإلزاق.

 

ثامنا: قد يطلق الكذب على الخطأ، ولا يراد به الجرح، ويعرف ذلك بقرينة معه، وقد يطلق الكذب على الخطأ، ويراد به الجرح الذي يوجب رد مرويات المجروح.

 

 

القسم الثاني: تلخيص وانتقاد الفصل الثاني والثالث:

تلخيص الفوائد:

أولا:

استغرب المصنف التساؤل التالي: هل يقع الوضع في الحديث؟ ناقلا إنكار الوضع في الحديث عن بعض المتكلمين الذي ذكره ابن كثير، وسبب الاستغراب في نظر المصنف: أنه أمر واقع محسوس. وأن ذلك قد أصبح من المسلمات لدى أئمة الحديث.

ثانيا:

كان حفاظ الحديث يحفظون كثيراً من الأحاديث الموضوعة خشية أن تروج عليهم أو على أحد من الناس. وكان الوضع هو الدافع الأول لاهتمام أئمة الحديث والنقد في بذل الجهد وإفناء العمر في تنقية السنة مما شابها، وقد أسفر ذلك عن العدد الهائل من المؤلفات الحديثية التي تميز صحيح السنة من ضعيفها، وبيان الصدق والكذب، مما يعجز الباحث عن حصر أسمائها فضلا عن جمعها واستيعابها.

ثالثا:

يقرر المصنف أن أبا بكر الصديق كان لا يكتفي بقبول رواية واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع تصديقه لهم، بل كان يطلب شاهدا ومؤيدا، لأجل انتفاء احتمال الوهم والخطأ، فضلا عن الكذب.

وأن عمر بن الخطاب سار على نهجه، وكذا عثمان سار على نهجهما.

قلت: هذا إطلاق مستنكر مردود، لأنه قد ثبت عن بعضهم -رضي الله عنهم- أنهم يقبلون خبر الواحد -إذا كان ثقة-، ولم يطلبوا شهوداً على خبره، كما ثبت أيضا عن بعضهم طلبه لشاهد آخر، وبناء عليه أقول: هذا التعميم من المصنف خطأ. وسيأتي التدليل على ذلك في الانتقادات –إن شاء الله-.

رابعا:

لا يمكن تحديد حادثة واحدة معينة لبداية الوضع، ولكن يمكن القول بأن الفتنة الكبرى كانت البداية، (يعني الفتنة الكبرى التي أدت إلى مقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه).

خامسا:

يرى المصنف بأن أول ظهور الوضع كان في الثلث الأخير من القرن الأول، أي بعد الفتنة الكبرى، ثم قال: (حيث الأدلة قامت على وجود محاولات للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحقبة، إلا أن هناك أموراً تفشت في الأمة الإسلامية عقب اختلافها وتمزقها يمكن اعتبارها توطئة وتمهيداً لهذه الجريمة البشعة النكراء ! التي انتهكت حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقول عليه).

وأنه يمكن اعتبار محاولات المختار الثقفي (ت 67 ه)، الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال بعض القريبين منه، أنها بداية الوضع، مستدلا بما رواه البخاري في تاريخه الصغير وبما رواه ابن الجوزي، من محاولته ذلك.

 

 

سادساً:

يرى المصنف بأن الخلاف بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- هو خلاف سياسي !، ثم تحول الأمر في أتباعهم بعد فترة إلى صراع ديني !. ولم يستدل على كلامه بدليل واضح وثابت.

فزعم أن الخلاف السياسي بين الفرق المختلفة بعد وقعة صفين بدأ يتسم بالطابع الديني. بعد أن كان متسما بالطابع السياسي إبّان عصر علي ومعاوية رضي الله عنهما. ثم استخلص المصنف قائلا: (في هذه الحقبة ظهرت بوادر كثير من الفرق الإسلامية التي عرفت فيما بعد: بأهل السنة والجماعة والشيعة والخوارج والنواصب. ومنها شيوع كثير من النظريات الفاسدة والآراء والمبادئ الغريبة في المجتمع الإسلامي !).

قلت: أغلاط مظلمات، بعضها فوق بعض، فكيف ومتى صارت الفرقة الناجية (أهل السنة والجماعة) محشورة مع (أهل البدعة والفرقة) ؟! وسيأتي في (الانتقادات) مزيد رد واستنكار مدعم بالدليل الثابت.

سابعا:

يرى المصنف أن كل هذه الفتن وغيرها مما ماج بالعالم الإسلامي في تلك الفترة كانت أمورا مهيِّئة وموطئة لارتكاب جريمة أفظع وأشنع، وكانت بمثابة المقدمة لظاهرة الوضع في الحديث حيث تجرأ بعض من لا خلاق له على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول عليه كذبا، وقد بدأت في هذه الفترة تتحول الخلافات بين الطوائف المختلفة من الصيغة السياسية إلى الصيغة الدينية وذلك بجعل آرائهم شرعية، آراء يُخضعون لها آيات القرآن الكريم تعزيزا لأهوائهم، وكذلك السنة النبوية لِمَا لها من المنزلة والحجية لديهم.

ثم أوضح سبب قوله (كانت أموراً موطئة ومهيئة للكذب) قائلا: (والذي يفرض علينا القول بأن تلك الفترة كانت مقدمة وموطئة لظهور جريمة الكذب عل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مؤلفي كتب التاريخ الإسلامي والمهتمين بتدوين حوادث تلك الحقبة بالرغم من اهتمامهم وتدوينهم لما دق وجل من الحوادث تفصيلا وإجمالا، فإني لم أقف عل حسب ما تيسر لي من استقراء وتتبع على حادثة تَثبتُ من وجه مقبول تجرأ أحد من لدن انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى بداية الثلث الأخير من القرن الأول بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يمكن اعتباره بداية للوضع في الحديث).

ثامنا:

يقرر المصنف بأن من الأسباب المؤدية للوضع ما يلي:

أن الخلافات السياسية في تلك الفترة التي تحولت فيما بعد إلى خلافات دينية، هي السبب في وضع الحديث، لتؤيد كل طائفة مذهبها وما استقرت عليه عقيدتها.

ومنها: دخول كثير من الناس في الإسلام طائعين ومكرهين، فاندس فيهم من لم ينشرح صدره، فبدأوا يكيدون له.

ومنها: انتقال تراث تلك الامبراطوريات التي تقوضت والمملكات التي انهارت ودانت للإسلام، من نظريات وحِكم وتقاليد، حيث رأى مريدوها أنه لا يمكن قبولها إلا إذا صُبغت بصبغة الإسلام، فعزوها إلى السنة كذبا.

ومنها: أهل القصص والوعظ، الذين ينقلون كل ما يزين مجالسهم، من غير تثبت. حتى غلت طائفة فوضعت الأحاديث الغرائب والملح لأطماع دنيوية.

ومنها: التعصب والتنافس بين أهل المدن أو القبائل أو الشعوب أو اللون.

ومنها: ظهور طائفة من أهل العبادة والزهد الذين رأوا الناس قد انشغلوا عن القرآن بالدنيا، فوضعوا الأحاديث رغبة منهم في حمل الناس على الخير، فضلوا وأضلوا.

ومنها: قصور بعض الرواة في التحمل، حيث قصروا في الحفظ والفهم فزلّت بهم الأقدام في الأداء.

ومنها: الوضع بقصد الامتحان.

وأما حكمها: فهو أن كل هذه الأسباب محرمة ممقوتة إلا النوع الأخير وهو (الامتحان) شريطة كشفه بمجرد انتهاء الغرض منه، فقد سمح به بعض العلماء.

تاسعا:

الدوافع التي أدت إلى الكذب والوضع:

الأول: الإلحاد والزندقة. وتشويه صورة الإسلام. الثاني: نصرة المذاهب والأهواء.

عاشرا:

ناقش المصنف مسألة (وضع الخوارج وكذبهم) ورجح أنهم لا يكذبون وأنهم من أصح الناس حديثا، وبالتالي: فهم لا يضعون الحديث. مضعفاً الروايات التي تثبت نقيض ذلك بكلام فيه تكلف وتعسف.

الحادي عشر:

القصاص هم من أبرز الوضاع، لغايات مختلفة، كان من أبرزها: حب الغرائب والعجائب، بسبب حب الناس لها، ولأجل حب المال.

وصنيعهم هذا أدى إلى اتهام غالب القصاص.

الثاني عشر:

مسألة إثبات الوضع مسألة صعبة، إذ هي قائمة على قرائن ظنية لا يمكن القطع بها، إلا في حالات خاصة، تتظافر فيها هذه القرائن فتبلغ درجة اليقين.

وهذه القرائن قسمان، الأول منهما: القرائن التي يثبت بها كون الحديث موضوعا من حيث الجملة، دون تحديد المتهم بالكذب، والقرائن إجمالا هي:

1-  إقامة البينة على وضع الحديث.

2-  إقرار الراوي بالوضع.

3-  ما يتنزل منزلة إقرار الراوي بالكذب.

والقسم الثاني منهما: فهو الحكم على الحديث تفصيلا بتحديد المتهم.

 

الثالث عشر:

أجمع الأئمة على أن تعمد الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كبيرة. وحكم الكاذب المتعمد أنه فاسق لأنه ارتكب كبيرة من الكبائر، وتقبل توبته إذا تاب، وبالغ والد إمام الحرمين فحكم بكفره، وأباح دمه. وأما المستحل له فلا ريب في كفره واستحلال دمه.

الرابع عشر:

رواية الموضوع جهلا لا إثم فيها، مع التقصير. وأما عمدا فحرام، إلا على سبيل الكشف لها، أو على سبيل الحفظ لها للحذر منها ومعرفتها والتعجب منها.

 


 

 

الانتقادات:

·     الأخطاء النحوية والإملائية، وكذلك صياغة الكلام وترتيبه، كل هذا مما انتقدته على المصنف في الفصول الأولى من الكتاب، انظر مثلاً صفحة رقم (208) من الطبعة الأولى، إلا أنها ليست كثيرة بحمد الله، وبالله التوفيق .

·     يقرر المصنف أن أبا بكر الصديق كان لا يكتفي بقبول رواية واحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -مع تصديقه لهم-، بل كان يطلب شاهدا ومؤيدا، لأجل انتفاء احتمال الوهم والخطأ، فضلا عن الكذب.

وأن عمر بن الخطاب سار على نهجه، وكذا عثمان سار على نهجهما.

قلت: هذا إطلاق مستنكر مردود، لأنه قد ثبت عن بعضهم -رضي الله عنهم- أنهم يقبلون خبر الواحد -إذا كان ثقة-، ولم يطلبوا شهوداً على خبره، كما ثبت أيضا عن بعضهم طلبه لشاهد آخر، فمما ثبت في قبولهم خبر الواحد: ما جاء في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ((أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أَهْلُ الْأَجْنَادِ. أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ. فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. قَالَ ابن عباس: فقال عمر: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. فَاخْتَلَفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الْأَنْصَارِ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ. فَاسْتَشَارَهُمْ. فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ. وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادع لي من كان ههنا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْح. فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ. فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظهر فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة ابن الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! (وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ) نَعَمْ. نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ. أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ. إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ. فَقَال: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ. وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثم انصرف)). انتهى واللفظ لمسلم.

فهذا الحديث صريح في قبوله حديث عبد الرحمن بن عوف الذي تفرد بروايته في ذلك الزمن عن الباقين.

وقال البخاري في «صحيحه » (9/ 86 ط السلطانية):

«‌‌بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ ‌خَبَرِ ‌الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ دَخَلَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ». ثم سرد الأحاديث، ومنها حديث عمر بن الخطاب: «7256» (9/ 88 ط السلطانية) حيث روى بإسناده عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَ: «وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَ أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.» وهو حديث مختصر من حديث طويل متفق عليه.

وبناء عليه أقول: هذا التقرير من المصنف خطأ، لأنه تعميم وإطلاق في غير محله، بناه على بعض الروايات، ولم يجمع الباقي.

·     يرى المصنف أن القول بأن أول ظهور الوضع كان في فتنة مقتل عثمان، قولٌ يفتقر إلى دليل مادي محسوس يثبت به حادثة تبين أن شخصا ما وضع حديثا بعينه في تلك الفترة حتى يمكن بذلك تحديد بداية الوضع في الحديث بها ! بينما حكى هو أنه ثبت عن التابعي الكبير تلميذ الصحابة ابن سيرين تنصيصه على تلك الفتنة !. حيث روى مسلم في مقدمة صحيحه عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: ( لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا : سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ)، ورواه آخرون بإسناد صحيح، ونص أهل العلم على أن الفتنة هذه هي فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه.

ثم حاول المصنف الإجابة عن هذا الاعتراض، ولكنه أجاب بجواب ضعيف في الصفحة رقم (215 – 216) زاعماً أن غاية ما يدل عليه الأثر أن أئمة الحديث صاروا في تلك الفترة أكثر يقظة وأشد حيطة !. فيا لهذا التعسف. وقد قال القرطبي في (المفهم): (هذه الفتنة يعني بها - والله أعلم - : فتنةَ قتلِ عثمان ، وفتنةَ خروجِ الخوارجِ على عليٍّ ومعاوية ؛ فإنَّهم كفَّروهما حتى استحلُّوا الدماءَ والأموال .

وقد اختُلِفَ في تكفير هؤلاء ، ولا يُشَكّ في أنَّ من كفَّرهم لم يَقْبَلْ حديثهم ، ومن لم يكفِّرْهُمْ اختلفوا في قَبُولِ حديثهم ؛ كما بَيَّنَّاهُ فيما تقدَّم . فيعني بذلك - والله أعلم - : أنَّ قَتَلَةَ عثمان والخوارجَ لَمَّا كانوا فُسَّاقًا قطعًا ، واختلطَتْ أخبارهم بأخبار مَنْ لم يكنْ منهم ، وجَبَ أن يُبْحَثَ عن أخبارهم فَتُرَدُّ ، وعن أخبار غيرهم ممَّن ليس منهم فتُقبَلُ ، ثم يجري الحُكْمُ من غيرهم من أهل البدعِ كذلك . ولا يَظُنُّ أحدٌ له فَهمٌ أنَّهُ يعني بالفتنة فتنةَ عليٍّ وعائشةَ ومعاويةَ ؛ إذ لا يصحُّ أن يقال في أحدٍ منهم : مبتدعٌ ، ولا فاسقٌ ، بل كلٌّ منهم مجتهدٌ عَمِلَ على حسب ظنِّه ، وهُمْ في ذلك على ما أجمَعَ عليه المسلمون في المجتهدين من القاعدة المعلومة ، وهي أنَّ كلَّ مجتهدٍ مأجورٌ غيرُ مأثوم ؛ على ما مهَّدناه في الأصول ) انتهى كلام القرطبي. علّق شيخنا الشيخ العلامة محمد بن الشيخ علي بن آدم الإتيوبي عفا الله تعالى عنه فقال: (لقد أجاد القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كلامه هذا أيّما إجادة، وأفاد أيّما إفادة، فإن بعض من لا فهم له حمل الفتنة المذكورة في كلام ابن سيرين رَحِمَهُ اللهُ تعالى هذا على فتنة حرب عليّ ومعاوية رضي الله عنهما، فقد كتب الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي في كتابه "دراسات في الجرح والتعديل" ص 8: ما نصّه: والفتنة التي أشار إليها ابن سيرين هي ما وقع بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما إلى آخر كلامه، فقد فهم فهمًا خاطئًا؛ فإن في حمله على ذلك خطرًا عظيمًا؛ لأن ذلك يؤدّي إلى ردّ أحاديث من حارب معهما، وقد كان مع كلّ منهم عدد كبير من جلّة الصحابة -رضي الله عنهم-، وكلّهم مجتهدون متأولون، فالمخطئ منهم عدل ثقة مأجور، فلا يردّ بذلك حديثه.

ومما يُبطل ما ذهب إليه الدكتور المذكور من حمل الفتنة على ما ذكره: آخر كلام ابن سيرين رَحِمَهُ اللهُ تعالى، حيث قال: "فيُنظر إلى أهل السنة، فيؤخذ بحديثهم، وينظر إلى أهل البِدَع، فلا يؤخذ حديثهم". فإن المتحاربين من الجانبين كلهم من أهل السنة والجماعة، ولا قائل بأنهم من أهل البدع، كما تقدّم في كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

والحاصل أن ابن سيرين رَحِمَهُ اللهُ تعالى ما أراد بقوله المذكور حرب عليّ ومعاوية رضي الله عنهما قطعًا، وإنما أراد فتنة تفرّق الناس في عقائدهم إلى الخروج، والتشيّع، والرفض، والإرجاء، والقدر، ونحو ذلك مما يؤدّي إلى تكفيرهم، أو تفسيقهم، أو تضليلهم، فيلزم البحث عن حال الراوي حتى يُعرف أنه ممن تردّ روايته لذلك، أو تقبل على تفاصيل تقدّم البحث عنها مستوفًى. ولله الحمد والمنّة). انتهى كلامه رحمه الله، من كتابه: «قرة عين المحتاج في شرح مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج» (2/ 58).

·     من الانتقادات أيضاً ما يلي: قال المصنف بعدما أورد قصة ابن سبأ التي رواها ابن جرير الطبري في تاريخه: (فرواية ابن جرير يظهر منها أن ما جاء به ابن سبأ شُبه من آراء ومعتقدات، وهي نظريات ادّعاها واخترعها من قبل نفسه، استنبطها من يهوديته، أو افتعلها وجعلها وسيلة لغاية ينشدها وغرض يستهدفه، لكنه لم يعزها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتجرأ برفعها إليه !!) إلى أن قال: (وأنّى له ذلك وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالمرصاد يردون كذبه ويوقفونه عند حده !) إلى أن قال: (والمهم من قصة ابن سبأ أن ما جاء به من آراء ومعتقدات ونظريات ادعاها واخترعها من غير أن يعزوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم). انتهى النقل. قلت: قد صرح ابن سبأ بنسبة الوصية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يُجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقد أشار إلى الرفع تلميحاً بنسبته تلك الأشياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال لم يتجرأ برفعها ؟! فهل هذا تعسف وتكلف أم جهل مخفّف ؟ ثم الطبري قد يكون اختصر الرواية وصاغها بمعناها عند نقله إياها، وهذا غير مؤثر في الرواية إذا كان المعنى معلوما لدى الناقل المختصِر، وأداه بحسب ذلك المعنى، كما هو مقرر في علوم الحديث.

·     زعم المصنف بأن الخلاف بين علي ومعاوية خلاف سياسي بحت، من غير بيان واضح ومن غير دليل صحيح.

·     من أشد ما استنكرته على المصنف أنه ذكر (أهل السنة والجماعة) مع الطوائف المحدثة والمنحرفة، فجعل القارئ يدخل في إشكالات وهي: (هل أهل السنة فرقة جديدة حدثت بعد عصر النبوة، وهل هي من فرق الضلال) حيث قال المصنف: (في هذه الحقبة (يعني حقبة ما بعد وقعة صفين) ظهرت بوادر كثير من الفرق الإسلامية التي عرفت فيما بعد: بأهل السنة والجماعة والشيعة والخوارج والنواصب. ومنها شيوع كثير من النظريات الفاسدة والآراء والمبادئ الغريبة في المجتمع الإسلامي !) انتهى النقل. ثم قال في الصفحة (224 - 225): (نرى أن الخلاف الذي برز في تلك الحقبة يمكن حصره في نقطتين: النقطة الأولى: الخلاف السياسي، وأعني به الخلاف الناجم عن مسألة الخلافة والولاية ومن أحق بها، والذي تولد منه قيام طوائف: الشيعة والخوارج والنواصب وأهل السنة والجماعة، والتي عرفت فيما بعد بالفرق الإسلامية، وقد عنى المؤرخون بالكلام على هذه الفرق ومنشئها ومنازلها إلى غير ذلك مما يتعلق بها. النقطة الثانية: الخلاف العقدي، وأعني به الخلاف الناجم عن بعض الآراء والمعتقدات المتعلقة ببعض صفات الله وأسمائه والرسل والكتب والبعث والقدر ونحو ذلك، والذي تولد منه قيام الفرق الكلامية التي تتمثل في معتقد أهل السنة والقدرية والمرجئة والجهمية والمشبهة الممثلة، والمعتزلة وغيرها من الفرق الكلامية. والجدير بالذكر أن هاتين النقطتين تداخلت فيما بينها حيث تبنت كل فرقة سياسية مبدأ أو مبادئ عقدية معينة وأصبحت ملازمة لها يتعذر التفريق بينها حتى أصبحت كل طائفة تتبنى معتقدا معينا تتسم به). انتهى النقل. ثم قال في الصفحة (226): (ثم تطورت هذه الفرق فيما بعد حتى اشتهرت بالخوارج والشيعة والمروانية أو أهل الشام، وأهل السنة والجماعة، وقد كان للجهلة من مقلدي هذه الطوائف ومن لاخلاق لهم أثر في الحديث انتصارا وتعصبا لآراء هذه المذاهب، وهذا ما أحاول عرضه في هذا المبحث). انتهى النقل.

قلت: فيا سبحان الله كيف صارت الفرقة الناجية (أهل السنة) التي هي امتداد لفرقة النبي صلى الله عليه وسلم من الفرق المحدثة ؟! وكيف ساغ له أن يعدها من ضمن الفرق الكلامية ؟!! فالله المستعان أكبر.

·     أن المصنف تناقض عندما أورد فرقة الخوارج مع الفرق التي يرى بأن متعصبيها وضعوا الأحاديث التي توافق معتقداتهم، ثم قال في الصفحة (236): (إذا أمعنا النظر في الكتب المؤلفة لجمع الأحاديث الموضوعة والتي تناولت كل الجزئيات التي تطرق إليها الوضع بما في ذلك أحـاديث الفرق والمذاهب التي وضعت تأييدا أو انتصارا لتلك المذاهب، فإنَّا لا نرى لآراء الخوارج التي بنوا عليها مذهبهم ذكرا في تلك المؤلفات مما يدل على أن الخوارج لم يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم !!، وهي لا شك شهادة تثبت أن الخوارج لم يسلكوا هذا السبيل انتصارا لمذهبهم أو للدعوة إلى آرائهم !!، وإذا ثبتت براءتهم فيما انفردوا به مع إعوازهم إلى الانتصار والتأييد، فإن تبرئتهم فيما شاركوا فيه غيرهم أولى وألزم !!). انتهى.

قلت: فيا للعجب، التناقض واضح صارخ، وقد تقدم نقل إيراده للخوارج مع الفرق التي يرى أنه وضعت الأحاديث لأجل الانتصار لمذاهبها وأهوائها في الصفحة السابقة !، وأيضا أقول: أليس نبأ ذي الخويصرة التميمي –رأس الخوارج- مشهوراً ؟، ثم أن المنافق يعتقد الشيء ولا يطبقه في كل مراحل حياته، بل يناقضه عندما تحين الفرص، وعندما تجري الرياح بما تشتهي السفن. وقد ذكر الحافظ ابن كثير قصة ذي الخويصرة التميمي عند قوله تعالى في (سورة الفاضحة التي فضحت المنافقين وكشفت أستارهم): {ومنهم من يلمزك في الصدقات}. فأين الصدق هنا؟!. وأما كونهم يصدقون في الغالب فهذا لا يعني أنهم لا يكذبون، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به، وإليه المرجع والمآب.

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)

بيان حال المدعو: حسن الحسيني