فائدة لو رحلت في طلبها إلى أقاصي البلاد لاستحقت ذلك (تفسير القرآن بمجرد اللغة)

فائدة لو رحلت في طلبها إلى أقاصي البلاد لاستحقت ذلك


‎[ تفسير القرآن بمجرد اللغة ]

لا يصح أنْ يُحْمَل كلام الله عز وجل ويُفسَّر بالمعاني المبنية على مجرد الاحتمال النحوي الإعرابي.

 قال الإمام المفسر العلامة ابن القيم رحمه الله رحمة واسعة:
«وينبغي أن يُتَفَطَّنَ هاهنا لأمر لابُدَّ منه، وهو أنه لا يجوزُ أنْ يُحْمَلَ كلام الله عز وجل ويُفَسَّر بمجرد الاحتمال النَّحْوي الإعرابي الذي يحتملُه تركيبُ الكلام، ويكونُ به الكلام له معنًى ما، فإنَّ هذا مقامٌ غَلِطَ فيه أكثرُ المعربين للقرآن، فإنهم يفسِّرون الآية ويعربونها بما يحتملُهِ تركيب تلك الجملة، ويُفْهَم من ذلك التركيبِ أيّ ‌معنىً ‌اتَّفَقَ، وهذا غلطٌ عظيمٌ يقطع السامعُ بأنَّ مرادَ القرآن غيْرُهُ، وإن احتملَ ذلكَ التركيبُ هذا المعنى في سياقٍ آخر وكلام آخر، فإنه لا يلزمُ أن يحتملَهُ القرآن.
مثل قول بعضهم في قراءة من قرأ: {وَالْأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] بالجرِّ: إنه قَسَمٌ.
ومثل قول بعضهم في قوله تعالى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217]: إن المسجدَ مجرور بالعطف على الضمير المجرور في (به)، ومثلُ قول بعضهم في قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُم وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} [النساء: 162]: إن (المقيمين) مجرور بواو القسم.
ونظائر ذلك أضعافُ أضعافِ ما ذكرناه، وأَوْهَى بكثير !، بل للقرآنِ عرفٌ خاصٌ ومَعَانٍ معهودةٌ لا يناسبُهُ تفسيره بغيرها، ولا يجوزُ تفسيره بغير عُرْفه والمعهودِ من معانيه، فإنَّ نسبةَ معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ، بل أعظم، فكما أن ألفاظَهُ ملوكُ الألفاظ وأجلُّها وأفصحُها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي تعجَزُ عنها قدر العالمين، فكذلك معانيه أجلُّ المعاني وأعظمُها وأفخمُها، فلا يجوزُ تفسيرُه بغيرها من المعاني التي لا تَلِيقُ به، بل غيرُها أعظمُ منها وأجلُّ وأفخمُ، فلا يجوز حملهُ على المعاني القاصرة، بمجرَّدِ الاحتمال النَّحْوي الإعرابي، فتدبَّرْ هذه القاعدةَ، ولْتَكُنْ منك على بال، فإنك تنتفعُ بها في معرفةِ ضعفِ كثيرٍ منْ أقوال المفسرين وزَيْفها، وتقطعُ أنها ليست مُرَادَ المتكلم تعالى بكلامه، وسنزيد هذا إن شاء الله بيانًا وبسطًا في الكلام على أصول التفسير، فهذا أصلٌ من أصوله بل من أهمِّ أصولِهِ». انتهى
«بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم» (3/ 876).


وقال العلامة عبدالرحمن المعلمي -رحمه الله-: ((والخوارج عرب فصحاء، بِلغتهم نَزَلَ القرآن، وإنما أُتوا منْ جهلهم بالهدي النبوي، واستغنائهم عن الاهتداء بالعارفين به من الصحابة، فما بالك بزماننا هذا وأنت تجد فيه أفراداً من الأعاجم لا يستطيع أحدهم تركيب جملة صحيحة بالعربية ؟!، وليس عنده من معرفة السنة وتفاسير السلف قليل ولا كثير ؟!، ثم تجده يخوض في آيات الله عز وجل خوض المدل بنفسه !، فينظر في الآية، ثم يتتبع معاني ما فيها من الكلمات في كتب اللغة، ثم يُلَفِّقُ من ذلك معنى كما يوافق هواه !، فيزعم أنه مراد الله عز وجل !، ثم يبني على ذلك ديناً جديداً وشريعةً مخترعةً، ويضلل سلف الأمة ! ويكذب السنة !، إلى غير ذلك، فإلى الله المشتكى)). 
[آثار المعلمي (19/64)]

وقال الشيخ الألباني رحمه الله: (فحذار أيها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً عن السنة، فإنك لن تستطيع ذلك ولو كنتَ في اللغة سيبويه زمانك)! (صفة الصلاة ص171).

وبالله التوفيق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)