أَفْضَلُ الْكُتُبِ الْقَدِيْمَةِ الْمُتَخَصِّصَةِ بِالْفِرَقِ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، أما بعد:

فإن سلفنا الصالح اعتنوا بعلوم العقيدة عناية فائقة، سبقوا بها غيرهم، فبينوا بياناً شافياً كافياً اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة، ومن ذلكم أنهم صَنَّفُوا في الفرق التي افترقت عن سبيل الله المستقيم، فبينوا للأمة بعدهم أحوال تلك الفرق وكشفوا أستارهم، وحذروا منهم، نصيحةً لله -سبحانه وتعالى-، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وفي ذلكم من الفوائد الشيء العظيم، ولو لم يكن في ذلك إلا معرفة ضلالهم ومجانبة شرهم، لكفى بذلك فائدة.


قال تعالى: 
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} 

ثم أكد ذلك فقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)} سورة آل عمران.



قال ابْن عَبَّاس: تبيض وُجُوه أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَتسود وُجُوه أهل الْبدع والضلالة.


وقال تعالى: 
{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} سورة الروم


وقال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} سورة الأنعام



ومن فوائد معرفة الفرق الضالة معرفة بدعهم وشرورهم لمجانبتها، وقد كان حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي.    متفق على صحته.


وقال الشاعر:

  عرفت الشَّرَّ لَا للشرِّ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ ... وَمَنْ لَا يعرف الشَّرَّ مِنَ النَّاس يَقع فِيهِ



وبعدُ فإن الدلالة على الكتب المصنفة المتقنة والموثوقة في شتى العلوم الشرعية لهو عمل جليل ومطلوب باغي الدليل وشفاء كل عليل، فإن الجهل علة وآفة لا يذهبها إلا العلم المأخوذ من صحيح الدليل، وقد قال رسولنا المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ)). مقتبس من حديث حسن مروي من طرق.

وتكون الدلالة لازمة عندما يُسأل الواحد منا، سلامة من كتمان العلم، ونصيحة لعامة المسلمين، وبعد سؤال أحد الأقارب الأفاضل من كبار السن -حفظه الله- حيث أحسن الظن بي وسألني عن الكتب الخاصة بالفرق المنتسبة إلى الإسلام أجبته إلى طلبه، ثم عزمت -بعد البحث عمن سبق إلى ذلك- على جمع أهم وأفضل الْكُتُب الْقَدِيْمَةِ الْمُتَخَصِّصَة بِالْفِرَقِ، التي وقفت عليها، ولم أكتف ببحثي عنها، فقد سألت بعض مشايخي الأفاضل فاستفدت، وأحببت إفادة إخواني بما جمعت، فإليكها أخا الإسلام هنيئاً مريئا:



الكتاب الأول: 

(مقالات الإسلاميين واختلاف المُصلِّين)، للإمام أبي الحسن الأشعري (ت 324 هـ).

وقد بين في المقدمة أهمية معرفة مذاهب الفرق، وسبب تأليفه الكتاب، فقال رحمه الله: ((فإنه لا بد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها من معرفة المذاهب والمقالات، ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات ويصنفون في النحل والديانات مِنْ بين مُقصِّر فيما يحكيه وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه، ومن بين متعمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه، ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين، ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أن الحجة تلزمهم به، وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين فحداني ما رأيت من ذلك على شرح ما التمست شرحه من أمر المقالات واختصار ذلك وترك الإطالة والإكثار)).


الكتاب الثاني:

(الْفَرْقُ بين الْفِرَق وبيان الفرقة الناجية)، لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الإسفراييني (ت 429 هـ).


وقد بين سبب التأليف، فقال رحمه الله: ((سألتم أسعدكم الله مطلوبكم شرح معنى الخبر المأثور عن النبي في افتراق الأمة ثلاثاً وسبعين فرقة منها واحدة ناجية تصير إلى جنة عالية وبواقيها عادية تصير إلى الهاوية والنار الحامية، وطلبتم الفرق بين الفرقة الناجية التي لا يزل بها القدم ولا تزول عنها النعم، وبين فرق الضلال الذين يرون ظلام الظلم نوراً واعتقاد الحق ثبوراً، وسيصلون سعيراً ولا يجدون من الله نصيراً، فرأيت إسعافكم بمطلوبكم من الواجب في إبانة الدين القويم والصراط المستقيم وتمييزها من الأهواء المنكوسة والآراء المعكوسة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من يحيا عن بينة فأودعت مطلوبكم مضمون هذا الكتاب وقسمت مضمونه خمسة أبواب هذه ترجمتها:
 باب في بيان الحديث المأثور في افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة
 باب في بيان فرق الأمة على الجملة ومن ليس منها على الجملة
 باب في بيان فضائح كل فرقة من فرق الأهواء الضالة
 باب في بيان الفرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منها
 باب في بيان الفرقة الناجية وتحقيق نجاتها وبيان محاسن دينها فهذه جملة أبواب هذا الكتاب وسنذكر في كل باب منها مقتضاه على شرطه إن شاء الله تعالى)).




الكتاب الثالث:

(الْفِصَلُ في الْمِلَلِ والأهواء والنِّحَل)، للإمام أبي محمد ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ).


والمصنف مشهور ومعروف بحسن وجودة التصنيف، أنقل من مقدمته سبب تصنيفه الكتاب، قال رحمه الله: ((أما بعد فَإِن كثيراً من النَّاس كتبُوا فِي افْتِرَاق النَّاس فِي دياناتهم ومقالاتهم كتباً كَثِيرَة جدا فبعض أَطَالَ وأسهب وَأكْثر وهجر وَاسْتعْمل الأغاليط والشغب فَكَانَ ذَلِك شاغلاً عَن الْفَهم قَاطعا دون الْعلم وَبَعض أحذف وَقصر وقلل وَاخْتصر وَأضْرَب عَن كثير من قوي معارضات أَصْحَاب المقالات فَكَانَ فِي ذَلِك غير منصف لنَفسِهِ فِي أَن يرضى لَهَا بِالْغُبْنِ فِي الْإِبَانَة وظالماً لخصمه فِي أَنْ لمْ يوفه حق اعتراضه وباخساً حق من قَرَأَ كِتَابه إِذْ لم يغنه عَن غَيره وَكلهمْ إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم عقَّد كَلَامه تعقيداً يتَعَذَّر فهمه على كثير من أهل الْفَهم وَحلق على الْمعَانِي من بعد حَتَّى صَار ينسي آخر كَلَامه أَوله وَأكْثر هَذَا مِنْهُم ستائر دون فَسَاد معانيهم فَكَانَ هَذَا مِنْهُم غير مَحْمُود فِي عاجله وآجله ... فجمعنا كتَابنَا هَذَا مَعَ استخارتنا الله عز وَجل فِي جمعه وقصدنا بِهِ قصد إِيرَاد الْبَرَاهِين المنتجة عَن الْمُقدمَات الحسية أَو الراجعة إِلَى الْحس من قرب أَو من بعد على حسب قيام الْبَرَاهِين الَّتِي لَا تخون أصلا مخرجها إِلَى مَا أخرجت لَهُ وَألا يَصح مِنْهُ إِلَّا مَا صححت الْبَرَاهِين الْمَذْكُورَة فَقَط إِذْ لَيْسَ الْحق إِلَّا ذَلِك وبالغنا فِي بَيَان اللَّفْظ وَترك التعقيد راجين من الله تَعَالَى على ذَلِك الْأجر الجزيل وَهُوَ تَعَالَى ولي من تولاه ومعطي من استعطاه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل)).



الكتاب الرابع:

(التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)، للإمام أبي المظفر شَاهْفُوْر طاهر بن محمد الإِسفرَايينِيّ، ثُمَّ الطُّوْسِي، الشَّافِعِي، (المتوفى: 471هـ).

وهو كتاب حسن أظهر فيه مصنفه جودة تأليفه، وقدم له بمقدمة نافعة، ثم قال رحمه الله: ((فَأَرَدْت أَن أجمع كتابا فارقا بَين الْفَرِيقَيْنِ جَامعا بَين وصف الْحق وخاصيته وَالْإِشَارَة إِلَى حججه وَوصف الْبَاطِل وحدِّ شُبَهِه لِيَزْدَادَ المطلع عَلَيْهِ استيقاناً فِي دينه وتحقيقا فِي يقينه فَلَا ينفذ عَلَيْهِ تلبيس المبطلين وَلَا تَدْلِيس الْمُخَالفين للدّين، وقسمته بحول الله وقوته على خَمْسَة عشر بَابا جَامِعَة لبَيَان أَوْصَاف عقائد أهل الدّين وفضائح أهل الزيغ والملحدين وَالله تَعَالَى ولي التَّوْفِيق لإتمامه بفضله وإنعامه إنه على مَا يَشَاء قدير وبالفضل والإحسان جدير)) ثم سرد الأبواب وقال: ((وَذكرت فِي كل بَاب مَا يَقْتَضِيهِ شَرطه على حد الاقتصار والاعتدال مصونا من الإملال والإكثار بِفضل الله وتوفيقه)).




الكتاب الخامس:

(الْمِلَلُ وَالنِّحَلُ) لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 هـ).

وقد أظهر فيه مصنفه حسن تصنيفه، وبين في المقدمة طريقته في تصنيفه، وتقدم بخمس مقدمات قبل الشروع في غرض الكتاب، فقال رحمه الله: (وبعدُ فلما وفقني الله تعالى لمطالعة مقالات أهل العالم من أرباب الديانات والملل وأهل الأهواء والنحل والوقوف على مصادرها ومواردها واقتناص أوانسها وشواردها أردت أن أجمع ذلك في مختصر يحوي جميع ما تديَّن به المتدينون وانتحله المنتحلون عبرة لمن استبصر واستبصاراً لمن اعتبر، وقبل الخوض فيما هو الغرض لا بد من أن أقدم خمس مقدمات:
 المقدمة الأولى : في بيان أقسام أهل العالم جملة مرسلة
 المقدمة الثانية : في تعيين قانون يبنى عليه تعديد الفرق الإسلامية
 المقدمة الثالثة : في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة ومَنْ مصدرها ومَنْ مظهرها
 المقدمة الرابعة : في بيان أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية وكيفية انشعابها ومن مصدرها ومن مظهرها
 المقدمة الخامسة : في بيان السبب الذي أوجب ترتيب هذا الكتاب على طريق الحساب))
ثم قال بعدها:
((فإذا نجزت المقدمات على أوفى تقرير وأحسن تحرير شرعنا في ذكر مقالات أهل العالم من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا لعله لا يشذ من أقسامها مذهب، ونكتب تحت كل باب وقسم ما يليق به ذكرا حتى يعرف لِمَ وضع ذلك اللفظ لذلك الباب، ونكتب تحت ذكر الفرقة المذكورة ما يعم أصنافها مذهبا واعتقادا وتحت كل صنف ما خصه وانفرد به عن أصحابه، ونستوفي أقسام الفرق الإسلامية ثلاثا وسبعين فرقة، ونقتصر في أقسام الفرق الخارجة عن الملة الحنيفية على ما هو أشهر وأعرف أصلا وقاعدة فنقدم ما هو أولى بالتقديم ونؤخر ما هو أجدر بالتأخير)).




الكتاب السادس:

الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار، للإمام يحيى بن أبي الخير العمراني اليماني الشافعي (ت 558 ه)


موضوع الكتاب وسبب تأليفه: ذكر العمراني - رحمه الله - في مقدمة كتابه أنه ألفه رداً على القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام الزيدي المعتزلي، وموضوع الكتاب: هو الانتصار لعقيدة السلف -وقد شغل إثبات القدر النصف الأول من الكتاب- والرد على المخالفين من الجهمية والمعتزلة والأشعرية والمرجئة والخوارج ورد فيه على المعتزلي القدري المذكور فيما اعترض به على الآيات والنصوص الشرعية.
والكتاب غير مرتب، مع الحذر من المزالق العقدية التي وقع فيها المصنف، وهي قليلة بحمد الله، وأفضل طبعة له هي التي بتحقيق الشيخ: سعود بن عبد العزيز الخلف، وقد نبه على الأخطاء العقدية فيه.




الكتاب السابع:

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم، ابن تيمية (ت 728ه).

 الغرض من التصنيف كان في الأصل الرد على كتاب ألفه أحد الرافضة يُدعى: ابن المطهر، سَمَّى كِتَابَهُ (مِنْهَاجَ الْكَرَامَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْإِمَامَةِ)، لكن شيخ الإسلام ضَمَّنَه الرد على كثير من المبتدعة من غير الروافض، واستخدم أساليباً عدة في الرد وإقامة الحجة من المنقول والمعقول، حتى استخدم فيه علم الكلام لقرع حججهم بالعلم الذي استخدموه وأقنعوا بعض الناس به، وربما يكون معذوراً في هذا لأنه في مقام النصيحة وقرع الخصوم بالحجج الدامغة النقلية والعقلية، وبعض كلامه فيه لا يعرفه بعض كبار أهل العلم فضلاً عمن دونهم لصعوبته، هذا وقد بين في المقدمة سبب تأليفه الكتاب فقال رحمه الله: ((أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَحْضَرَ إِلَيَّ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كِتَابًا صَنَّفَهُ بَعْضُ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ فِي عَصْرِنَا مُنَفِّقًا لِهَذِهِ الْبِضَاعَةِ، يَدْعُو بِهِ إِلَى مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ الْإِمَامِيَّةِ، مَنْ أَمْكَنَهُ دَعْوَتُهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَغَيْرِهِمْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، مِمَّنْ قَلَّتَ مَعْرِفَتُهُمْ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَلَمْ يَعْرِفُوا أَصْلَ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَادَتُهُمْ إِعَانَةُ الرَّافِضَةِ مِنَ الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِسْلَامِ، مِنْ أَصْنَافِ الْبَاطِنِيَّةِ الْمُلْحِدِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي الْبَاطِنِ مِنَ الصَّابِئَةِ الْفَلَاسِفَةِ الْخَارِجِينَ عَنْ حَقِيقَةِ مُتَابَعَةِ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ لَا يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُحَرِّمُونَ اتِّبَاعَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَدْيَانِ، بَلْ يَجْعَلُونَ الْمِلَلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَذَاهِبِ، وَالسِّيَاسَاتِ الَّتِي يَسُوغُ اتِّبَاعُهَا، وَأَنَّ النُّبُوَّةَ نَوْعٌ مِنَ السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِي الدُّنْيَا.
فَإِنَّ هَذَا الصِّنْفَ يَكْثُرُونَ وَيَظْهَرُونَ إِذَا كَثُرَتِ الْجَاهِلِيَّةُ، وَأَهْلُهَا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنُّبُوَّةِ، وَالْمُتَابَعَةِ لَهَا مَنْ يُظْهِرُ أَنْوَارَهَا الْمَاحِيَةَ لِظُلْمَةِ الضَّلَالِ، وَيَكْشِفُ مَا فِي خِلَافِهَا مِنَ الْإِفْكِ، وَالشِّرْكِ، وَالْمِحَالِ.
وَهَؤُلَاءِ لَا يُكَذِّبُونَ بِالنُّبُوَّةِ تَكْذِيبًا مُطْلَقًا، بَلْ هُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ أَحْوَالِهَا، وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِيمَا يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَكْفُرُونَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْخِلَالِ، فَلِهَذَا يَلْتَبِسُ أَمْرُهُمْ بِسَبَبِ تَعْظِيمِهِمْ لِلنُّبُوَّاتِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَاتِ. وَالرَّافِضَةُ، وَالْجَهْمِيَّةُ هُمُ الْبَابُ لِهَؤُلَاءِ الْمُلْحِدِينَ، مِنْهُمْ يَدْخُلُونَ إِلَى سَائِرِ أَصْنَافِ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَآيَاتِ كِتَابِهِ الْمُبِينِ، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ رُءُوسُ الْمُلْحِدَةِ مِنَ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ.
وَذَكَرَ مَنْ أَحْضَرَ هَذَا الْكِتَابَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي تَقْرِيرِ مَذَاهِبِهِمْ عِنْدَ مَنْ مَالَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ صَنَّفَهُ لِلْمَلِكِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي سَمَّاهُ فِيهِ خَدَابَنْدَهْ، وَطَلَبُوا مِنِّي بَيَانَ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الضَّلَالِ، وَبَاطِلِ الْخِطَابِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَصْرِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَيَانِ بُطْلَانِ أَقْوَالِ الْمُفْتَرِينَ الْمُلْحِدِينَ.
فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْلَى مَا يَقُولُونَهُ فِي بَابِ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ، فَالْقَوْمُ مِنْ أَضَلِّ النَّاسِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ إِمَّا نَقْلِيَّةٌ، وَإِمَّا عَقْلِيَّةٌ، وَالْقَوْمُ مِنْ أَضَلِّ النَّاسِ فِي الْمَنْقُولِ، وَالْمَعْقُولِ فِي الْمَذَاهِبِ وَالتَّقْرِيرِ، وَهُمْ مِنْ أَشْبَهِ النَّاسِ بِمَنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سُورَةُ الْمُلْكِ: 10] ، وَالْقَوْمُ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ فِي النَّقْلِيَّاتِ، وَمِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، يُصَدِّقُونَ مِنَ الْمَنْقُولِ بِمَا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ مِنَ الْأَبَاطِيلِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالْمَعْلُومِ مِنَ الِاضْطِرَارِ الْمُتَوَاتِرِ أَعْظَمَ تَوَاتُرٍ فِي الْأُمَّةِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَلَا يُمَيِّزُونَ فِي نَقَلَةِ الْعِلْمِ، وَرُوَاةِ الْأَحَادِيثِ، وَالْأَخْبَارِ بَيْنَ الْمَعْرُوفِ بِالْكَذِبِ، أَوِ الْغَلَطِ، أَوِ الْجَهْلِ بِمَا يُنْقَلُ، وَبَيْنَ الْعَدْلِ الْحَافِظِ الضَّابِطِ الْمَعْرُوفِ بِالْعِلْمِ بِالْآثَارِ وَعُمْدَتُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى التَّقْلِيدِ، وَإِنْ ظَنُّوا إِقَامَتَهُ بِالْبُرْهَانِيَّاتِ، فَتَارَةً يَتَّبِعُونَ الْمُعْتَزِلَةَ، وَالْقَدَرِيَّةَ، وَتَارَةً يَتَّبِعُونَ الْمُجَسِّمَةَ، وَالْجَبْرِيَّة، وَهُمْ مِنْ أَجْهَلِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ بِالنَّظَرِيَّاتِ، وَلِهَذَا كَانُوا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْ أَجْهَلِ الطَّوَائِفِ الدَّاخِلِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ)).
إلى أن قال:
((فَلَمَّا أَلَحُّوا فِي طَلَبِ الرَّدِّ لِهَذَا الضَّلَالِ الْمُبِينِ، ذَاكِرِينَ أَنَّ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ خِذْلَانًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَظَنَّ أَهْلُ الطُّغْيَانِ نَوْعًا مِنَ الْعَجْزِ عَنْ رَدِّ هَذَا الْبُهْتَانِ، فَكَتَبْتُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْبَيَانِ، وَفَاءً بِمَا أَخَذَهُ اللَّهُ مِنَ الْمِيثَاقِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَقِيَامًا بِالْقِسْطِ، وَشَهَادَةً لِلَّهِ...)). انتهى كلامه.

والكتاب مطبوع نشرته جامعة الإمام محمد بن سعود محققاً في تسع مجلدات.


الكتاب الثامن:
(رفع القلق والأرق بجمع المبتدعين من الفرق)، للحافظ السخاوي (ت 902 ه)، كتاب مخطوط، ويعمل على إخراجه الأخ المحقق المفيد: أبو الحسن عبد الله بن عبد العزيز الشبراوي، وقال: (كتاب جليلٌ في الفِرَقِ، أورد فيه كثيرا من مذاهب الفرق المنحرفة عن الجادة وموقف العلماء من ذلك، ومن خرج على الطاعة منهم، وذلك إلى زمانه، وقد رتب فيه الفرق ألفبائيا، وزاد على الشهرستاني، وابن حزم، نحو الضعف، وهو أجل ما صنف فيه).


تنبيه: هذه الكتب وضعها مؤلفوها لبيان الفرق ومقالات أصحابها والرد على المخالفين والتحذير من الفرق الهالكة، فصارت خاصة بذلك، بخلاف الكتب المشتملة على عدة مواضيع، وإلا فقد سبقهم الأئمة من السلف قبلهم ببيان بعض الفرق والتحذير من الفرق الضالة فيما روي عنهم، ثم مَنْ بعدهم في مواضع متفرقة من كتبهم، سواء كتب السنة أو العقيدة أو الفقه وغيرها، والله وحده الهادي إلى صراطه المستقيم.

وجميع هذه الكتب -ما عدا كتاب السخاوي- مطبوعة، ومتوفرة على (الإنترنت) يمكن قراءتها وتحميلها بحمد الله تعالى.

هذا والله أسأل لي ولجميع المسلمين الهداية والسداد، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، ومن أهلها، إن ربي سميع قريب مجيب، وصلى الله وسلم على إمامنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وإخوانه، آمين.




وكتب 

عبد الله بن سعيّد العمر الشمري

21 ذي الحجة 1440

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)