رَفْعُ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّات عَمَّنْ يُعَانِي بَلَلَاً بَعْدَ وُضُوْئِهِ لِإِقَامَةِ الصَّلَوَات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله وآله وصحبه، أما بعد:
فإن ديننا الحنيف دينٌ شامل كامل، رحمنا الله به، وطهرنا به تطهيراً، معنوياً وحِسيَّاً، ومن التطهير الحسيِّ: تعليمُهُ إِيَّانَا أحكام الطهارة بتفاصيلها، صغيرها وكبيرها، كما قال تعالى بعدما علمنا الوضوء والغسل: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: (6)].
وروى الثقات عَنْ سَلْمَانَ الفارسي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، فَقَالَ: أَجَلْ.
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه [كتاب الطهارة، فِي استقبال القبلة بالغائط والبول (1610) ج2 ص155، وفي كتاب الرد على أبي حنيفة، الجمع بين الأحجار والماء في الاستطابة (37463) ج20 ص150]، وأحمد [(24199) ج10 ص5649]، ومسلم [كتاب الطهارة - باب الاستطابة (262) ج1 ص154]، وأبو داود [كتاب الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة (7) ج1 ص6]، والترمذي [ أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب الاستنجاء بالحجارة (16) ج1 ص66]، والنسائي [كتاب الطهارة - باب النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار (41) ج1 ص34]، وابن ماجة [أبواب الطهارة وسننها - باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة (316) ج1 ص210]. وغيرهم جميعهم عنه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ومن تلكم الأحكام والشرائع التي جاء بها شرعنا المطهر: أحكامٌ شرعها لرفع الحرج والمشقة عنَّا -رحمةً ومنةً وتيسيراً- فلله الحمد من قبل ومن بعد حمداً كثيراً طيباً، ومن هذه الأحكام الرافعة للحرج والمشقة: أمر المكلف الواقع في مشكلة وجود الْبَلَلِ بعد الوضوء بِأَنْ ينضح الماء على موضع الفرج بعدما ينتهي من الوضوء مطلقاً، سواء كان صاحب وسواس كثير أم لم يكن كذلك، فأزال عنه بهذا الأمر هماً كبيراً ومشقة عظيمة، بحيث أنه لا يحتاج بعد هذا العمل إلى إعادة الوضوء مَرَّاتٍ وكَرَّاتٍ بسبب وجود شبهة نزول شيء من الفرج، وقد شكا لي بعض الإخوة هذه المشكلة، فكان بعدُ هذا البحث الطيب النافع -إن شاء الله-
وصفة هذا النضح: أن يأخذ حفنة من الماء بكفٍ واحدة ويَرشُّ بها على موضع الفرج، سواء كان الرش مِنْ خارج اللباس أو مِنْ داخله، وذلك دفعاً لوسوسة الشيطان وحركاته، وإليكم الأدلة النقلية، مبتدئاً بذكر الأحاديث المرفوعة ثم الموقوفة ثم المقطوعة:
أولاً: الأحاديث المرفوعة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
رواه أحمد [(22185) ج9 ص5098]، واللفظ له، والدارقطني في سننه [كتاب الطهارة، باب في نضح الماء على الفرج بعد الوضوء (391) ج1 ص198]، من طريق رِشْدِين بْن سَعْدٍ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ بِهَا نَحْوَ الْفَرْجِ . قَالَ : فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُشُّ بَعْدَ وُضُوئِهِ .
ورواه الطبراني في [الأوسط (3901) ج4 ص174]، من طريق اللَّيْث بْن سَعْدٍ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، فذكره بمعناه.
إسناده صحيح، اللَّيْثُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الحَارِثِ الفَهْمِيُّ، ثقة ثبت. [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج7 ص179]، [التقريب ج2 ص48].
ورواه أحمد [(17752) ج7 ص3893]، وعبد بن حميد كما في [المنتخب (283) ج1 ص118]، وابن ماجة [أبواب الطهارة وسننها - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء (462) ج1 ص293]، والبزار في مسنده [(1332) ج4 ص167]، والدارقطني في سننه [كتاب الطهارة، باب في نضح الماء على الفرج بعد الوضوء (390) ج1 ص198]، والطبراني في [الكبير (4657) ج5 ص85]، والبيهقي في [الكبرى، كتاب الطهارة - جماع أبواب الحدث - باب الانتضاح بعد الوضوء لرد الوسواس (772) ج1 ص161]، جميعهم من طريق ابْن لَهِيعَةَ ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَّمَنِي جِبْرِيلُ الْوُضُوءَ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْضَحَ تَحْتَ ثَوْبِي لِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَوْلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ ). واللفظ لابن ماجة.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه [كتاب الطهارة - من كان إِذا توضأ نضح فرجه (1793) ج2 ص211]، من نفس الطريق بلفظ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ .
وقال ابن حجر: صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ورواية بن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون. [التقريب ج1 ص526].
فيتقوى طريق ابن لهيعة بطريق رشدين، خاصة وأن للحديث عدة شواهد.
وانظر إن شئت [مصباح الزجاجة للبوصيري ج1 ص67].
الحديث الثاني:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَضِحْ .
وهذا ذكرته من باب الشواهد.
الحديث الثالث:
رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في مصنفه [كتاب الطهارة، باب قطر البول ونضح الفرج إذا وجد بللا (586، 587) ج1 ص152]، ومن طريقه الطبراني في معجمه الكبير [(3174) ج3 ص216، (6392) ج7 ص67]. ورواه أحمد [(15620) ج6 ص3249]، وابن أبي شيبة في مصنفه [كتاب الطهارة - من كان إِذا توضأ نضح فرجه (1792) ج2 ص210]، وابن ماجة [أبواب الطهارة وسننها - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء (461) ج1 ص292]، وأبو داود [كتاب الطهارة - باب في الانتضاح (166) ج1 ص64]، والنسائي [كتاب الطهارة - باب النضح (135) ج1 ص52]، والحاكم في مستدركه [كتاب الطهارة - المسح على الخفين (608) ج1 ص277]، والبيهقي في [السنن الكبرى، كتاب الطهارة - جماع أبواب الحدث - بَابُ الِانْتِضَاحِ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِرَدِّ الْوَسْوَاسِ (768) ج1 ص161]، جميعهم من طريق مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ، أَو سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَوِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، به.
واللفظ لابن أبي شيبة وابن ماجة.
ولفظ النسائي: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَقَالَ بِهَا هَكَذَا. وَوَصَفَ شُعْبَةُ : نَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ . فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ فَأَعْجَبَهُ). أي: ذكره منصور لإبراهيم النخعي فاستحسنه.
قلت: مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ أَبُو عَتَّابٍ السُّلَمِيُّ، الكُوْفِيُّ، رَوَى لَهُ الجَمَاعَة، وَهُوَ أَحَدُ الأَعْلاَمِ الأَثْبَاتِ. [التاريخ الكبير ج7 ص346]، [الجرح والتعديل ج8 ص177]، [التقريب ج2 ص215، والتهذيب ج10 ص277].
ومجاهد بن جَبْر، أبو الحجاج المخزومي، مولاهم، مولى عبد الله ابن السائب، القارئ، المكي، ثقة إمام في التفسير وفي العلم، رَوَى لَهُ الجَمَاعَة. [التاريخ الكبير ج7 ص411]، [التقريب ج2 ص159].
والْحَكَم بْن سُفْيَان الثَّقَفِيِّ، مختلف في صحبته، ذكر البخاري اختلاف أصحاب منصور في اسمه وروايته بالتفصيل ثم قال: (قال بعض ولد الحكم بن سفيان: لم يدرك الحكم النبي صلى الله عليه وسلم). [التاريخ الكبير ج2 ص329]، [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج3 ص116]، وقال الإمام أحمد: (حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ قَالَ شَرِيكٌ سَأَلْتُ أَهْلَ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [العلل، رواية ابنه عبد الله ج3 ص248].
وقال أبو عمر ابن عبد البر: (روى حديثه منصور عن مجاهد فاختلف أصحاب منصور في اسمه وهو في أهل الحجاز. له حديث واحد في الوضوء مضطرب الإسناد يقال إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وسماعه منه عندي صحيح؛ لأنه نقله الثقات منهم الثوري، ولم يخالفه من هو في الحفظ والإتقان مثله). [الاستيعاب ج1 ص106].
وقال الذهبي: (له صحبة، روى عنه مجاهد، حديثه مضطرب فيه أقوال). [الكاشف ج1 ص344].
وقال ابن حجر: (قال أبو زرعة وإبراهيم الحربي: له صحبة، وروى حديثه أصحاب السنن في النضح بعد الوضوء واختلف فيه على مجاهد فقيل هكذا، وقيل سفيان بن الحكم، وقيل غير ذلك، وقال أحمد والبخاري ليست للحكم صحبة. وقال ابن المديني والبخاري وأبو حاتم: الصحيح الحكم بن سفيان عن أبيه). [الإصابة ج2 ص103].
واللفظ لابن أبي شيبة وابن ماجة.
ولفظ النسائي: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَقَالَ بِهَا هَكَذَا. وَوَصَفَ شُعْبَةُ : نَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ . فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ فَأَعْجَبَهُ). أي: ذكره منصور لإبراهيم النخعي فاستحسنه.
وقال الحاكم: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنَّمَا تَرَكَاهُ لِلشَّكِ فِيهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُوهِنُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ ، وَقَدْ تَابَعَ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَلَى رِوَايَتِهِ أَيْضًا بِالشَّكِّ). وقال الذهبي في التلخيص : على شرطهما.
ومجاهد بن جَبْر، أبو الحجاج المخزومي، مولاهم، مولى عبد الله ابن السائب، القارئ، المكي، ثقة إمام في التفسير وفي العلم، رَوَى لَهُ الجَمَاعَة. [التاريخ الكبير ج7 ص411]، [التقريب ج2 ص159].
والْحَكَم بْن سُفْيَان الثَّقَفِيِّ، مختلف في صحبته، ذكر البخاري اختلاف أصحاب منصور في اسمه وروايته بالتفصيل ثم قال: (قال بعض ولد الحكم بن سفيان: لم يدرك الحكم النبي صلى الله عليه وسلم). [التاريخ الكبير ج2 ص329]، [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج3 ص116]، وقال الإمام أحمد: (حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ قَالَ شَرِيكٌ سَأَلْتُ أَهْلَ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [العلل، رواية ابنه عبد الله ج3 ص248].
وقال أبو عمر ابن عبد البر: (روى حديثه منصور عن مجاهد فاختلف أصحاب منصور في اسمه وهو في أهل الحجاز. له حديث واحد في الوضوء مضطرب الإسناد يقال إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وسماعه منه عندي صحيح؛ لأنه نقله الثقات منهم الثوري، ولم يخالفه من هو في الحفظ والإتقان مثله). [الاستيعاب ج1 ص106].
وقال الذهبي: (له صحبة، روى عنه مجاهد، حديثه مضطرب فيه أقوال). [الكاشف ج1 ص344].
وقال ابن حجر: (قال أبو زرعة وإبراهيم الحربي: له صحبة، وروى حديثه أصحاب السنن في النضح بعد الوضوء واختلف فيه على مجاهد فقيل هكذا، وقيل سفيان بن الحكم، وقيل غير ذلك، وقال أحمد والبخاري ليست للحكم صحبة. وقال ابن المديني والبخاري وأبو حاتم: الصحيح الحكم بن سفيان عن أبيه). [الإصابة ج2 ص103].
وقد روي من وجه آخر بزيادة رجل في الإسناد، وهو والد الحكم الثقفي، فقد رواه أبو داود [ كتاب الطهارة - باب في الانتضاح (168) ج1 ص65]، والنسائي [كتاب الطهارة - باب النضح (134) ج1 ص52]، والطبراني في [المعجم الكبير (3176 ، 3178) ج3 ص216]، من طرقٍ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ، فذكره بمعناه.
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ - عَنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ أَوْ أَبِي الْحَكَمِ أَوْ سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ وَفَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَرَشَّهُ تَحْتَهُ، فَقَالَ: الصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعْبَةُ وَوهَيْبٌ وَقَالَا: عَنْ أَبِيهِ، وَرُبَّمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ أَوْ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ. [العلل الكبير ج1 ص37].
وأبوه هو: سُفيان بن عَبد الله بن رَبيعة، الثَّقَفي، له صحبة وسماع ورواية. [الجرح والتعديل ج4 ص218]، [الاستيعاب ج1 ص190]، [الإصابة ج3 ص124].
وقال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ : رَأَيْتُ مُجَاهِدًا يَتَوَضَّأُ فَنَضَحَ فَرْجَهُ ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ .
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه [كتاب الطهارة - من كان إِذا توضأ نضح فرجه (1784) ج2 ص208].
وهذا الحديث المرسل إنما ذكرته للاعتبار.
الحديث الرابع:
روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ قَيْسٌ لِعَطَاءٍ : أَرَأَيْتَ الْمَذْيَ أَكُنْتَ مَاسِحَهُ مَسْحًا ؟ قَالَ: لَا ، الْمَذْيُ أَشَدُّ مِنَ الْبَوْلِ، يُغْسَلُ غَسْلًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يُخْبِرُنَا حِينَئِذٍ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَائِشُ بْنُ أَنَسٍ أَخُو سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ قَالَ : تَذَاكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْمَذْيَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : إِنِّي رَجُلٌ مَذَّاءٌ ، فَاسْأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مِنِّي ، لَوْلَا مَكَانُ ابْنَتِهِ لَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ عَائِشٌ : فَسَأَلَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ عَمَّارٌ أَوِ الْمِقْدَادُ ، قَالَ قَيْسٌ : فَسَمَّى لِي عَائِشٌ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ مِنْهُمَا فَنَسِيتُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ذَلِكُمُ الْمَذْيُ ، إِذَا وَجَدَهُ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ لِيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنْ وُضُوءَهُ، ثُمَّ لْيَنْتَضِحْ فِي فَرْجِهِ).
وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ لِلْمِقْدَادِ : سَلْ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَنِ الرَّجُلِ يُلَاعِبُ امْرَأَتَهُ وَيُكَلِّمُهَا فَيُمْذِي ، لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحْيِي وَأَنَّ ابْنَتَهُ تَحْتِي لَسَأَلْتُهُ ، فَسَأَلَ الْمِقْدَادُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَنْضَحْ فِي فَرْجِهِ .
الشاهد منهما قوله: ثُمَّ لْيَنْضَحْ فِي فَرْجِهِ.
رواهما عبد الرزاق في مصنفه [كتاب الطهارة، باب المذي (597، 601) ج1 ص155، 157]، وأصله في الصحيحين.
ثانياً: الآثار الموقوفة على الصحابة:
ما رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَكَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّ بِذَكَرِي بَلَلًا قَالَ: قَاتَلَ اللهُ الشَّيْطَانَ إِنَّهُ يَمَسُّ ذَكَرَ الْإِنْسَانِ فِي صَلَاتِهِ لِيُرِيَهُ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ، فَإِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْضَحْ فَرْجَكَ بِالْمَاءِ، فَإِنْ وَجَدْتَ قُلْتَ: هُوَ مِنَ الْمَاءِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَذَهَبَ.
وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أيضاً عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ النَّخَعِيِّ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ ثُمَّ نَضَحَ حَتَّى رَأَيْتُ الْبَلَلَ مِنْ خَلْفِهِ فِي ثِيَابِهِ.
وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أيضاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ صُبَيْحٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهَا بَيْنَ إِزَارِهِ وَبَطْنِهِ عَلَى فَرْجِهِ.
رواها كلها عبد الرزاق في مصنفه [كتاب الطهارة، باب قطر البول ونضح الفرج إذا وجد بللا (583، 589، 590) ج1 ص151 - 153].
فأما إسناده الأول فصحيح موقوفا، الثوري سفيان، إمام ثقة مشهور، والأعمش هو: سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ عارف بالقراءات ورع لكنه يدلس، روى له الجماعة. [التاريخ الكبير ج4 ص37]، [التقريب ج1 ص392]، [تذكرة الحفاظ ج1 ص154].
وأما إسناده الثاني فموقوف صحيح أيضا، الحسن بن عُبيد الله النَّخَعي الكُوفي، ثقة. [التاريخ الكبير ج2 ص297]، [الجرح والتعديل ج3 ص23]، [التقريب ج1 ص206]. وأبو الضحى هو: مُسلم بن صُبَيْح أَبو الضحى الهَمْداني، كوفي مولى لآل سَعيد بن العاص القُرشي، ثقة. [التاريخ الكبير ج7 ص264]، [الجرح والتعديل ج8 ص186]، [التقريب ج2 ص179].
وقال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا تَوَضَّأَ نَضَحَ فَرْجَهُ ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ : وَكَانَ أَبِي يَفْعَلُ ذَلِكَ .
إسناده صحيح، علي بن مسهر أبو الحسن الكوفي، ثقة له غرائب بعد أن أضر، روى له الجماعة. [التاريخ الكبير ج6 ص297]، [الجرح والتعديل ج5 ص204]، [الكاشف ج2 ص47]، [التقريب ج1 ص703].
وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، ثقة، ثبت حتى قدمه يحيى بن سعيد على مالك في نافع مولى ابن عمر!. [الجرح والتعديل ج5 ص326]، [الكاشف ج1 ص685]، [التقريب ج1 ص637].
ونافع هو مولى ابن عمر، مشهور ثقة، حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر.
[التاريخ الكبير ج8 ص85]، [التقريب ج2 ص151].
وقال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَبُلُّ إِحْلِيلَهُ حَتَّى يُرِيَهُ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ ، فَمَنْ رَابَهُ ذَلِكَ فَلْيَنْتَضِحْ بِالْمَاءِ ، فَمَنْ رَابَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلْيَقُلْ : هُوَ عَمَلُ الْمَاءِ .
وهذا إسناد ضعيف، يَزيد هو ابن أبي زياد، كوفي، مولى بني هاشم، مولى عَبد الله بن الحارِث بن نوفل، فيه ضعف، يكتب حديثه، ورواية مسلم له إنما هي مقرونة. [التاريخ الكبير ج8 ص334]، [الجرح والتعديل ج5 ص265]، [ميزان الاعتدال ج4 ص423]، [التقريب ج2 ص324].
وقال ابن أبي شيبة أيضاً: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ مَوْلًى لِابْنِ أَزْهَرَ قَالَ : شَكَوْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ الْبَوْلَ ، فَقَالَ : إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْضَحْ وَالْهَ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ .
رواها ابن أبي شيبة في مصنفه [كتاب الطهارة، من كان إِذا توضأ نضح فرجه (1786، 1787، 1788، 1789، 1791) ج2 ص209، 210].
ثالثاً: الآثار المقطوعة، (والأثر المقطوع: هو ما كان من كلام التابعين):
روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ قُلْتُ: إِنِّي أَتَوَضَّأُ وَأَجِدُ بَلَلًا، قَالَ: إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْضَحْ فَرْجَكَ، فَإِنْ جَاءَكَ فَقُلْ: هُوَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي نَضَحْتُ، فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ وَيُحْرِجَكَ.
رواه عبد الرزاق في مصنفه [كتاب الطهارة، باب قطر البول ونضح الفرج إذا وجد بللا (585) ج1 ص152].
وقال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ : أَنَّ سَلَمَةَ كَانَ يَنْضَحُ بَيْنَ جِلْدِهِ وَثِيَابِهِ .
وقال أيضاً: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ ، عَنْ جَعْفَرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ بِلَّةً يَجِدُهَا، فَقَالَ لَهُ مَيْمُونٌ: إِذَا أَنْتَ تَوَضَّأْتَ فَانْضَحْ فَرْجَكَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ ثَوْبِكَ بِالْمَاءِ، فَإِنْ وَجَدْتَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقُلْ: هُوَ مِنْ ذَلِكَ.
رواها ابن أبي شيبة في مصنفه [كتاب الطهارة، من كان إِذا توضأ نضح فرجه (1785، 1790) ج2 ص209، 210].
خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ أبو يزيد الرقي، قَالَ أحمد: خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ قَدِمَ عَلَيْنَا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، كَانَ يَرْوِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ غَرَائِبَ، كَتَبْنَا عَنْهُ غرائب. [التاريخ الكبير ج3 ص145]، [الجرح والتعديل ج3 ص326]، [تاريخ بغداد ج8 ص292]، [ميزان الاعتدال ج1 ص629]، [التقريب ج1 ص256].
جعفر بن بُرْقان الكلابي الرقي، يحتج به إلا في حديث الزهري. [التاريخ الكبير ج2 ص187]، [الجرح والتعديل ج2 ص474]، [ميزان الاعتدال ج1 ص403]، [التقريب ج1 ص160].
جعفر بن بُرْقان الكلابي الرقي، يحتج به إلا في حديث الزهري. [التاريخ الكبير ج2 ص187]، [الجرح والتعديل ج2 ص474]، [ميزان الاعتدال ج1 ص403]، [التقريب ج1 ص160].
وقال ابن أبي شيبة أيضاً: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَخِي قَالَ : سَأَلْتُ الْقَاسِمَ عَنِ الْبِلَّةِ أَجِدُهَا فِي الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي : انْضَحْهُ وَالْهَ عَنْهُ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، قَالَ : فَفَعَلْتُ فَذَهَبَ عَنِّي .
وقال ابن أبي شيبة أيضاً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ : أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ فَفَرَغَ قَالَ بِكَفٍّ مِنْ مَاءٍ فِي إِزَارِهِ هَكَذَا .
فيما تقدم كفاية مما صح، وما لم يصح إسناداً له ما يشهد له.
مزيد فائدة:
القول بأن المراد بالأحاديث المتقدمة هو: رَشُّ الْفَرْج بِالْمَاءِ بَعْد الْوُضُوءَ، لِيَدْفَع بِهِ وَسْوَسَة الشَّيْطَان، هو قول جماعة من العلماء، وقيل: بعد الاستنجاء.
والأمر الوارد في الحديث المرفوع هو أمر استحباب.
وانظر إن شئت الكتب التالية: [شرح العمدة لابن تيمية ج1 ص164]، [شرح النووي على صحيح مسلم ج3 ص150]، [إغاثة اللهفان لابن القيم ج1 ص143]، [حاشية السندي على سنن النسائي ج1 ص86]، [ذخيرة العقبى شرح المجتبى لشيخنا محمد بن علي آدم الإتيوبي ج3 ص282].
هذا والله المستعان الموفق أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد الذي ما من خير إلا ودلنا عليه، فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وكتب
عبد الله بن سعيد بن هليل العمر الشمري
13 صفر 1441 ه
تعليقات
إرسال تعليق