بيان التفريق بين البدعة الكبرى والصغرى، ومتى يُبدع الرجل، ومتى يُؤمرالناس بتركه (عدم التلازم بين البدعة وبين حكمها المترتب عليها) أو (ضوابط التبديع)
فقد قال الله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}. [سورة ص].
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} [سورة الجاثية].
وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} [سورة السجدة].
وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)} [سورة الملك].
وبعدُ فالنقولات التالية فيها بيان لتعامل الأئمة مع مَنْ وقع في بعض البدع من أهل السنة، وكيف أنهم لم يخرجوهم من السنة بسببها، كما تبين هذه النقولات إنصافهم وعدلهم، فلله درهم:
ثم البدعة كبرى وصغرى، روى عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة، فلما وقعت نظروا مَنْ كان مِنْ أهل السنة أخذوا حديثه، ومن كان من أهل البدعة تركوا حديثه". وروى هشام، عن الحسن قال: "لا تفاتحوا أهل الأهواء، ولا تسمعوا منهم"، فالتَّلْيِينُ بالبدعة بابٌ سَلَفَ فيه اختلافٌ بين العلماء ليس هذا موضع تقريره). انتهى كلامه رحمه الله.
* وقال الذهبي في ترجمة يَحْيَى بن مَعِيْن بعدما نقل كلام ابْنَ الرُّوْمِيِّ فيه (مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ يَقُوْلُ الحَقَّ فِي المَشَايِخِ غَيْرَ يَحْيَى، وَغَيْرُهُ كَانَ يَتَحَامَلُ بِالقَوْلِ): (قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الرُّوْمِيِّ غَيْرُ مَقْبُوْلٍ، وَإِنَّمَا قَالَهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَنَحْنُ لاَ نَدَّعِي العِصْمَةَ فِي أَئِمَّةِ الجَرحِ وَالتَّعدِيلِ، لَكِنْ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَاباً، وَأَنْدَرُهُمْ خَطَأً، وَأَشَدُّهُم إِنصَافاً، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ التَّحَامُلِ.
وَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَعدِيلٍ أَوْ جَرْحٍ، فَتَمَسَّكْ بِهِ، وَاعضُضْ عَلَيْهِ بِنَاجِذَيْكَ، وَلاَ تَتَجَاوَزْهُ، فَتَنْدَمَ، وَمَنْ شَذَّ مِنْهُم، فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ. فَخَلِّ عَنْكَ العَنَاءَ، وَأَعطِ القَوسَ بَارِيَهَا، فَوَاللهِ لَوْلاَ الحُفَّاظُ الأَكَابِرُ، لَخَطَبَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلَى المَنَابِرِ، وَلَئِنْ خَطَبَ خَاطِبٌ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ، فَإِنَّمَا هُوَ بِسَيفِ الإِسْلاَمِ، وَبِلِسَانِ الشَّرِيعَةِ، وَبِجَاهِ السُّنَّةِ، وَبِإِظهَارِ مُتَابَعَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الخِذْلاَنِ). (سير أعلام النبلاء ج11 ص82).
* وقال الذهبي أيضاً في ترجمة: الإمام أبي عبد الله محمد بن نصر المَرْوَزيّ [المتوفى 294 هـ] لما تكلم فِي مَسْأَلَةِ الإِيْمَان وأخطأ فيها وَهَجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ وَقتِهِ، قال الذهبي راداً ومستنكراً على العلماء الهاجرين: (وَلَوْ أَنَّا كلَّمَا أَخْطَأَ إِمَامٌ فِي اجْتِهَادِهِ فِي آحَادِ المَسَائِلِ خَطَأً مَغْفُوراً لَهُ، قُمْنَا عَلَيْهِ، وَبدَّعْنَاهُ، وَهَجَرْنَاهُ، لَمَا سَلِمَ مَعَنَا لاَ ابْنَ نَصْرٍ، وَلاَ ابْنَ مَنْدَةَ، وَلاَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا، وَاللهُ هُوَ هَادِي الخَلْقِ إِلَى الحَقِّ، وَهُوَ أَرحمُ الرَّاحمِينَ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهوَى وَالفظَاظَةِ). (سير أعلام النبلاء ج14 ص40).
* وقال في (تاريخ الإسلام) في ترجمته أيضا: (لو أنّنا كلّما أخطأ إمام مجتهد في مسألةٍ خطًأ مغفورًا له هَجَرْناه وبدَّعناه، لَما سَلِمَ أحدٌ مِنَ الأئمّة، واللَّهُ الهادي للحقّ، والرّاحم للخلْق).
وقد زلت قدم إِمَام الأَئِمَّةِ ابْن خُزَيْمَةَ [المتوفى 311 هـ] في تَأَوُّلِ حديث الصورة المتفق عليه: (خلق الله آدم على صورته)، وأمثاله من أحاديث الصورة، فتأولها رحمه الله على أن المقصود بها صورة آدم، لا صورة الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك ما بدعه الأئمة.
* قال الذهبي في ترجمته: (وَلابْنِ خُزَيْمَةَ عَظَمَةٌ فِي النُّفُوْسِ، وَجَلاَلَةٌ فِي القُلُوْبِ؛ لِعِلمِهِ وَدِينِهِ وَاتِّبَاعِهِ السُّنَّةَ، وَكِتَابُه فِي (التَّوحيدِ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، وَقَدْ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ حَدِيْثَ الصُّورَةِ، فَلْيعْذر مَنْ تَأَوَّلَ بَعْضَ الصِّفَاتِ، وَأَمَّا السَّلَفُ، فَمَا خَاضُوا فِي التَّأْوِيْلِ، بَلْ آمَنُوا وَكَفُّوا، وَفَوَّضُوا عِلمَ ذَلِكَ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِه، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ - مَعَ صِحَّةِ إِيْمَانِهِ، وَتَوَخِّيْهِ لاتِّبَاعِ الحَقِّ - أَهْدَرْنَاهُ، وَبَدَّعنَاهُ، لَقَلَّ مَنْ يَسلَمُ مِنَ الأَئِمَّةِ مَعَنَا، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ). (سير أعلام النبلاء ج14 ص375).
ثم أورد الذهبي بعض المآخذ عليه، وبعض الوحشة التي حصلت بينه وبين بعض أصحابه، ومع ذلك لم يُبدعه، لأنه لم يرتكب بدعة كبيرة تخرجه من دائرة أهل السنة، فنسأل الله الإنصاف والعدل.
* وقال الذهبي أيضاً في ترجمة: عليّ بن محمد بن حبيب، القاضي أبو الحسن البصْريّ الماوَرْديّ الفقيه الشّافعيّ [المتوفى: 450 هـ]: (قلت: وبكلِّ حالٍ هو مع بدعةٍ فيه من كبار العلماء. فلو أنَّنا أهدرنا كلَّ عالمٍ زَلَّ لما سلِم معنا إِلَّا القليل، فلا تحطّ يا أخي على العلماء مطلقًا، ولا تبالغ في تقريظهم مطلقاً وأسأل اللَّه أن يتوفاك على التّوحيد). [تاريخ الإسلام ج9 ص751].
* وقال أيضا: (وَكَثِيرٌ مِنْ مُجْتَهِدِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَدْ قَالُوا وَفَعَلُوا مَا هُوَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا لِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ ظَنُّوهَا صَحِيحَةً وَإِمَّا لِآيَاتِ فَهِمُوا مِنْهَا مَا لَمْ يُرَدْ مِنْهَا وَإِمَّا لِرَأْيٍ رَأَوْهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، وَإِذَا اتَّقَى الرَّجُلُ رَبَّهُ مَا اسْتَطَاعَ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: " قَدْ فَعَلْت "). (مجموع الفتاوى ج19 ض191).
* بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والْبِدْعَةُ الَّتِي يُعَدُّ بِهَا الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ مُخَالَفَتُهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ كَبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَيُوسُفَ بْنَ أَسْبَاطٍ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا : أُصُولُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً هِيَ أَرْبَعٌ : الْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ : فالْجَهْمِيَّة ؟ قَالَ : لَيْسَتْ الْجَهْمِيَّة مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . و " الْجَهْمِيَّة " نفاة الصِّفَاتِ ؛ الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُعْرَجْ بِهِ إلَى اللَّهِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا حَيَاةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ والمتفلسفة وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ ). (مجموع الفتاوى ج35 ص414).
* والتبديع ديدن أهل البدع، فيبتدعون بدعة ثم يقومون بتبديع مخالفهم عليها، بل تجاوز بعض أهل البدع، فبعدما ابتدعوا بِدَعَهُم كَفَّروا مخالفيهم عليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَالْخَوَارِجُ هُمْ أَوَّلُ مَنْ كَفَّرَ الْمُسْلِمِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ، وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ وَمَالَهُ. وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا. وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ). (مجموع الفتاوى ج3 ص279).
* وقال أيضاً: (وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الثَّابِتِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ تَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا اقْتَتَلُوا كَانَ الْوَاجِبُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمَّا لَمْ يُعْمَلْ بِذَلِكَ صَارَتْ فِتْنَةٌ وَجَاهِلِيَّةٌ. وَهَكَذَا مَسَائِلُ النِّزَاعِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا الْأُمَّةُ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ إذَا لَمْ تُرَدَّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ لَمْ يُتَبَيَّنْ فِيهَا الْحَقُّ بَلْ يَصِيرُ فِيهَا الْمُتَنَازِعُونَ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ فَإِنْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَمْ يَبْغِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فَيُقِرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يَعْتَدِي عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْحَمُوا وَقَعَ بَيْنَهُمْ الِاخْتِلَافُ الْمَذْمُومُ فَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إمَّا بِالْقَوْلِ مِثْلَ تَكْفِيرِهِ وَتَفْسِيقِهِ " وَإِمَّا بِالْفِعْلِ مِثْلَ حَبْسِهِ وَضَرْبِهِ وَقَتْلِهِ. وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالظُّلْمِ كَالْخَوَارِجِ وَأَمْثَالِهِمْ يَظْلِمُونَ الْأُمَّةَ وَيَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ إذَا نَازَعُوهُمْ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الدِّينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُمْ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا كَمَا تَفْعَلُ الرَّافِضَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرُهُمْ وَاَلَّذِينَ امْتَحَنُوا النَّاسَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ كَانُوا مِنْ هَؤُلَاءِ؛ ابْتَدَعُوا بِدْعَةً وَكَفَّرُوا مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا وَاسْتَحَلُّوا مَنْعَ حَقِّهِ وَعُقُوبَتَهُ). (مجموع الفتاوى ج17 ص310).
* وقال أيضاً: (وَلَكِنْ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُمْ يَبْتَدِعُونَ أَقْوَالًا يَجْعَلُونَهَا وَاجِبَةً فِي الدِّينِ بَلْ يَجْعَلُونَهَا مِن الْإِيمَانِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ كَفِعْلِ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّة وَالرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ). (مجموع الفتاوى ج19 ص212). (منهاج السنة ج5 ص95).
* وقال أيضاً: (فَإِذَا رَأَيْت إمَامًا قَدْ غَلَّظَ عَلَى قَائِلِ مَقَالَتَه أَوْ كَفَّرَهُ فِيهَا فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا حُكْمًا عَامًّا فِي كُلِّ مَنْ قَالَهَا إلَّا إذَا حَصَلَ فِيهِ الشَّرْطُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ وَالتَّكْفِيرَ لَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَاشِئًا بِبَلَدِ جَهْلٍ لَا يَكْفُرُ حَتَّى تَبْلُغَهُ الْحُجَّةُ النَّبَوِيَّةُ. وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ إذَا رَأَيْت الْمَقَالَةَ الْمُخْطِئَةَ قَدْ صَدَرَتْ مِنْ إمَامٍ قَدِيمٍ فَاغْتُفِرَتْ؛ لِعَدَمِ بُلُوغِ الْحُجَّةِ لَهُ؛ فَلَا يُغْتَفَرُ لِمَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ مَا اُغْتُفِرَ لِلْأَوَّلِ، فَلِهَذَا يُبَدَّعُ مَنْ بَلَغَتْهُ أَحَادِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهَا إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا تُبَدَّعُ عَائِشَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ بِأَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ؛ فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ نَافِعٌ. وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي " شَيْئَيْنِ فِي الْمَقَالَةِ " هَلْ هِيَ حَقٌّ؟ أَمْ بَاطِلٌ؟ أَمْ تَقْبَلُ التَّقْسِيمَ فَتَكُونُ حَقًّا بِاعْتِبَارِ بَاطِلًا بِاعْتِبَارِ؟ وَهُوَ كَثِيرٌ وَغَالِبٌ؟ . ثُمَّ النَّظَرُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا أَوْ تَفْصِيلًا وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ، فَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ أَصَابَ الْحَقَّ قَوْلًا وَعَمَلًا وَعَرَفَ إبْطَالَ الْقَوْلِ وَإِحْقَاقَهُ وَحَمْدَهُ فَهَذَا هَذَا وَاَللَّهُ يَهْدِينَا وَيُرْشِدُنَا إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ). (مجموع الفتاوى ج19 ص212).
* وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله: (وأخِيراً أُرِيدُ أنْ أُذكِّر بحقيقة لا خِلافَ فيها، لكني أُرِيدُ أنْ أُلْحِقَ بها شيئاً لا يُفكِّر فيه شبابنا الناشئون في هذا العصر.
* وسُئل الشيخ مقبل بن هادي الوادعي اليماني رحمه الله: متى يُحكم على الشخص بأنه مبتدع؟
فأجاب: (يُحكم على الشخص بأنه مبتدع إذا أغرق في البدع، أما إذا كان سنيَّاً ووقعت منه بدعة فيقال: هذه بدعة، ولا يُحكم عليه بأنه مبتدع، كما أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول -في مصنف ابن أبي شيبة- : في الأذان الأول في الجمعة: "إنه بدعة"، ولم يجرؤ أحد من المسلمين أن يقول: إن عثمان رضي الله عنه مبتدع. فقد يكون الشخص غير مبتدع ويكون سنياً وربما تحدث منه أو تصدر منه بعض البدع، فلا يُسمى مبتدعاً، أما شخص يقيم الموالد، ويزيد في الدين مثل عيد الهجرة وعيد الميلاد، والاحتفال بليلة النصف من شعبان، وليلة سبع وعشرين من رجب، وهكذا هو مسارع في إلى البدع، فهذا يُسمى مبتدعاً ولا كرامة). (المصدر: مقطع بصوت الشيخ منشور على شبكة الإنترنت).
* هذا وإن ردود أهل العلم المعاصرين على منْ بدّع النووي وابن حجر وأمثالهما مشهورة وكثيرة، كرد الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، ففي ردودهم ما يدل على أن التبديع له ضوابط وله قرائن يستدل بها على ذلك، كما أن براءة البريء لها قرائن يستدل بها عليها.
فليس كل بدعة صغيرة يقع بها السني المعروف بالسنة تخرجه هذه البدعة الصغيرة من السنة، ولو التزمنا ذلك لبدعنا حتى أنفسنا !، خاصة الذي وقع منا بشيء من علم الكلام الوارد عن طريق المعتزلة وغيرهم، فالله المستعان الموفق.
فالسني إذا عُرِفَ صدقه وصلاحه بيقين لا يُخرج منه بظن مهين، كما لا يُبدع بالهوى. وإنْ كان ضعيفاً في اتباع السنة.
وقد قال بعض الأئمة: (إخراج الرجل من السنة: شديدٌ).
نسخة مع السلام إلى المتشددين الغالين الجافين أصحاب التبديع والتفسيق بغير وجه حق، مع الدعاء لهم بالصلاح والعافية، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وأحيلهم إلى كتاب الشيخ عبد المحسن العباد البدر حفظه الله: (رفقاً أهل السنة بأهل السنة)، وإلى ملحقه الثاني الذي سماه: (ومرة أخرى: رفقاً أهل السنة بأهل السنة). فقد ذكر مشايخَ آخرين أخطأوا في مسائل عديدة ومع ذلك لم يُبدعهم الأئمة.
مسألة هامة: هل يجوز منع الناس من مجالسة المبتدع الذي ارتكب عدة بدع خطيرة، وكذلك هل يجوز منع الناس من قراءة كتب هذا المبتدع أو بعض كتبه؟
* فائدة هامة تتعلق بحكم الرواية عن أهل البدع، أو عمن اتهم ببدعة، وهي رد على من يمنع مطلقا من الرواية عنهم:
قال أبو بكر الخطيب (ت463 هجري) في «الكفاية في علم الرواية» (ص120):
«بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَخْذِ عَنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِهِمْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ كَالْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ ، وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَرْوُونَهُ ، فَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ صِحَّةَ ذَلِكَ ، لِعِلَّةِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ ، وَفُسَّاقٌ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِ مُتَأَوِّلٍ ، وَمِمَّنْ لَا يُرْوَى عَنْهُ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَقَالَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: إِنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ بِالتَّأْوِيلِ بِمَثَابَةِ الْكَافِرِ الْمُعَانِدِ وَالْفَاسِقِ الْعَامِدِ ، فَيَجِبُ أَلَّا يُقْبَلَ خَبَرُهُمَا وَلَا تَثْبُتَ رِوَايَتُهُمَا. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى قَبُولِ أَخْبَارِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ مِنْهُمُ اسْتِحْلَالُ الْكَذِبِ وَالشَّهَادَةُ لِمَنْ وَافَقَهُمْ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَهَادَةٌ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ ، وَحَكَى أَنَّ هَذَا مَذْهَبَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: تُقْبَلُ أَخْبَارُ غَيْرِ الدُّعَاةِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، فَأَمَّا الدُّعَاةُ فَلَا يُحْتَجُّ بِأَخْبَارِهِمْ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: أَخْبَارُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كُلِّهَا مَقْبُولَةٌ ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا وَفُسَّاقًا بِالتَّأْوِيلِ ...»
ثم ذكر الآثار، ثم قال:
عبد الله بن سعيد الهليل الشمري
تم الفراغ بحمد الله تعالى في يوم الجمعة 27 شوال 1441
تعليقات
إرسال تعليق