التفصيل والبيان لمشروعية جَمْعِ الأموال لأجل مقاومة مَطَالِبِ آخر الزمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن النصيحة والإرشاد والفَتْح للناس بالعلم النافع من أعظم الأعمال وأنفعها عند الله سبحانه وتعالى، إذا كانت على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال سبحانه: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} فلا يهدون الناس بأهوائهم ورغباتهم، وإنما بأمر الله وشرعه، وبعدُ:
وإنَّ مما جاء به الشرع المطهر الكامل: جواز جمع المال إذا كان لضرورة وحاجة، فيجوز للحاجة أن نجمع ما تيسر من أموال إذا كانت هذه الحاجة لا نتوصل لها إلا بجمع الأموال لتحصيلها، وذلك مثل بناء المسكن، فإن البناء في هذا العصر من أصعب الأمور على أكثر الناس، ولا نستطيع البناء إلا بجمع أموال طائلة على مدى سنوات لإتمام البناء، هذا على سبيل المثال والأمثلة في هذا الزمان خاصة كثيرة جدا وصعبة جدا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن النصيحة والإرشاد والفَتْح للناس بالعلم النافع من أعظم الأعمال وأنفعها عند الله سبحانه وتعالى، إذا كانت على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال سبحانه: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} فلا يهدون الناس بأهوائهم ورغباتهم، وإنما بأمر الله وشرعه، وبعدُ:
فإن من النصيحة والفتح دلالة الناس على ما ينفعهم سواء في أمور دينهم أو في أمور دنياهم، وقد قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ).
وعَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ). متفق عليه.
وإليكم الأدلة الشرعية على جواز جمع الأموال عند الحاجة:
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم:
قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [سورة البقرة 197].
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (( كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } )). رواه البخاري 1523 وأبو داود 1730 وغيرهما.
قَالَ الْمُهَلَّبُ: (فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْكَ السُّؤَالِ مِنَ التَّقْوَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّهَ مَدَحَ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ النَّاسَ إِلْحَافًا فَإِنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّاد التَّقْوَى أَيْ تَزَوَّدُوا وَاتَّقُوا أَذَى النَّاسِ بِسُؤَالِكُمْ إِيَّاهُمْ وَالْإِثْمَ فِي ذَلِكَ). (نقله ابن حجر في فتح الباري ج3 ص384 ونقله قبله شيخه ابن الملقن في التوضيح).
ثانياً: الأدلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري ومسلم وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا تَأْتِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلَّا دِينَارٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ عَلَيَّ). متفق عليه واللفظ لمسلم، وأخرج الشيخان أيضا عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نحوه بمعناه. وروى أحمد وعبد بن حميد والطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس نحوه بمعناه أيضا،
وللحديث زيادة مهمة، دلَّت على أن الرَّصد جائز للدُّيون وغيرها من الحاجات، فقد زاد البزار في مسنده في حديث أبي هريرة: (أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ).
ووجه الدلالة من الأحاديث السابقة هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على إنفاق جميع ما يأتيه في المستقبل من الأموال، لكنه استثنى بعضها لأجل الدُّيون التي قد تكون عليه، ولأجل النفقة في سبيل الله كالنفقة على الأهل والضيف، فهذا نوع من أنواع جمع الأموال أجازه الشارع الحكيم لأنه جمعٌ لأجل مطالب شرعية ومصالح راجحة.
ومن الأدلة ما تقدم من حديث ابن عباس الذي رواه البخاري.
فائدة: كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الصحابي الجليل أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَحْرِيمُ ادِّخَارِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْعِيَالِ، وَكَانَ يُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَيُغْلِظُ فِي خِلَافِهِ، لكن قد خالفه بعض الصحابة.
قال الحافظ ابن كثير: ((وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْن، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بالرَّبَذة، فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ، قَالَ كُنَّا بِالشَّامِ، فَقَرَأْتُ: {وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا مَا هَذِهِ إِلَّا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: فَارْتَفَعَ فِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْقَوْلُ، فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إليَّ عُثْمَانُ أَنْ أُقْبِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ رَكِبَنِي النَّاسُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: تَنَحَّ قَرِيبًا. قُلْتُ: وَاللَّهِ لَنْ أَدَعَ مَا كُنْتُ أَقُولُ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَحْرِيمُ ادِّخَارِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْعِيَالِ، وَكَانَ يُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَيُغْلِظُ فِي خِلَافِهِ، فَنَهَاهُ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَنْتَهِ، فَخَشِيَ أَنَّ يَضُرَّ بِالنَّاسِ فِي هَذَا، فَكَتَبَ يَشْكُوهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، وَأَنْ يَأْخُذَهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَقْدَمَهُ عُثْمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْزَلَهُ بِالرَّبَذَةِ وَحْدَهُ، وَبِهَا مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَقَدِ اخْتَبَرَهُ مُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدهُ، هَلْ يُوَافِقُ عَمَلُهُ قَوْلَهُ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَفَرَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَى غَيْرِكَ فَأَخْطَأْتُ، فَهَاتِ الذَّهَبَ! فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّهَا خَرَجَتْ، وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ مَالِي حَاسَبْنَاكَ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا عَامَّةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الْجَسَدِ، أَخْشَنُ الْوَجْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ برَضْف يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوضَعُ عَلَى حَلمة ثَدْي أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ -قَالَ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَع إِلَيْهِ شَيْئًا -قَالَ: وَأَدْبَرَ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرّ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا يَمُرُّ عَلَيْهِ ثَالِثَةً وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا دِينَارٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ". فَهَذَا -واللَّهُ أَعْلَمُ- هُوَ الَّذِي حَدَا أَبَا ذَرٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ، فَخَرَجَ عَطَاؤُهُ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ، فَجَعَلَتْ تَقْضِي حَوَائِجَهُ، فَفَضَلَتْ مَعَهَا سَبْعَةٌ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا. قَالَ: قُلْتُ: لَوِ ادَّخَرْتَهُ لِلْحَاجَّةِ تَنُوبك وَلِلضَّيْفِ يَنْزِلُ بِكَ! قَالَ: (إِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إليَّ أنْ أَيُّمَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أوكِي عَلَيْهِ، فَهُوَ جَمْرٌ عَلَى صَاحِبِهِ، حَتَّى يُفْرِغَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ). وَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ هَمَّامٍ، بِهِ وَزَادَ: إِفْرَاغًا)). (تفسير ابن كثير).
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: فَارْتَفَعَ فِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْقَوْلُ، فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إليَّ عُثْمَانُ أَنْ أُقْبِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ رَكِبَنِي النَّاسُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: تَنَحَّ قَرِيبًا. قُلْتُ: وَاللَّهِ لَنْ أَدَعَ مَا كُنْتُ أَقُولُ.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَحْرِيمُ ادِّخَارِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْعِيَالِ، وَكَانَ يُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَيُغْلِظُ فِي خِلَافِهِ، فَنَهَاهُ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَنْتَهِ، فَخَشِيَ أَنَّ يَضُرَّ بِالنَّاسِ فِي هَذَا، فَكَتَبَ يَشْكُوهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، وَأَنْ يَأْخُذَهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَقْدَمَهُ عُثْمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْزَلَهُ بِالرَّبَذَةِ وَحْدَهُ، وَبِهَا مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَقَدِ اخْتَبَرَهُ مُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدهُ، هَلْ يُوَافِقُ عَمَلُهُ قَوْلَهُ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَفَرَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَى غَيْرِكَ فَأَخْطَأْتُ، فَهَاتِ الذَّهَبَ! فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّهَا خَرَجَتْ، وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ مَالِي حَاسَبْنَاكَ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا عَامَّةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الْجَسَدِ، أَخْشَنُ الْوَجْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ برَضْف يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوضَعُ عَلَى حَلمة ثَدْي أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ -قَالَ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَع إِلَيْهِ شَيْئًا -قَالَ: وَأَدْبَرَ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرّ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا يَمُرُّ عَلَيْهِ ثَالِثَةً وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا دِينَارٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ". فَهَذَا -واللَّهُ أَعْلَمُ- هُوَ الَّذِي حَدَا أَبَا ذَرٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ، فَخَرَجَ عَطَاؤُهُ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ، فَجَعَلَتْ تَقْضِي حَوَائِجَهُ، فَفَضَلَتْ مَعَهَا سَبْعَةٌ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا. قَالَ: قُلْتُ: لَوِ ادَّخَرْتَهُ لِلْحَاجَّةِ تَنُوبك وَلِلضَّيْفِ يَنْزِلُ بِكَ! قَالَ: (إِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إليَّ أنْ أَيُّمَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أوكِي عَلَيْهِ، فَهُوَ جَمْرٌ عَلَى صَاحِبِهِ، حَتَّى يُفْرِغَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ). وَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ هَمَّامٍ، بِهِ وَزَادَ: إِفْرَاغًا)). (تفسير ابن كثير).
والحمد لله رب العالمين
وكتب:
عبد الله بن سعيد الهليل الشمري
21 ذي الحجة 1441
تعليقات
إرسال تعليق