( النعي والرثاء الجائز والممنوع ) بيان حكم الإعلام بموت الناس ، وهو ما يسمى بالنَّعي ، مع فوائد أخرى
بسم الله الرحمن الرحيم
فإن بعض أهل العلم قد استنكروا ما كان من إعلان وفاة أحد المشايخ قبل دفنه والصلاة عليه ذاكرين حديث حذيفة، وهو ما رواه الترمذي عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ : إِذَا مُتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ . ورواه أحمد وابن ماجة عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى بلفظ: ( كَانَ حُذَيْفَةُ إِذَا مَاتَ لَهُ الْمَيِّتُ قَالَ : لَا تُؤْذِنُوا بِهِ أَحَدًا ؛ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ .
ثلاثتهم رووه من طريق حَبِيب بْن سُلَيْمٍ الْعَبْسِيّ، عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْعَبْسِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ به.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
ثلاثتهم رووه من طريق حَبِيب بْن سُلَيْمٍ الْعَبْسِيّ، عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْعَبْسِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ به.
فوجب حينئذ الرد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}
وروى أيضاً هو ومسلم ومالك وغيرهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى ، فَصَفَّ بِهِمْ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ .
وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ).
وقد بوب البخاري على هذا الحديث فقال: (بَابُ الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ).
ومن ذلكم الرد إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تقدم من بعض أهل العلم محجوج بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم استدرك على أصحابه لمّا لم يخبروه بوفاة أحدهم وهم يقصدون بذلك عدم المشقة عليه قائلاً: (مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟)، وفي رواية: (أَلَا آذَنْتُمُونِي)، ومحجوج أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي وأخبر أنه رجل صالح وصفَّ الناسَ فصلى عليه صلاة الغائب، ومحجوج أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم نعى أهل غزوة مؤتة، جعفرًا، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة.
فهذا يدل على أن النهي عن الإخبار بموت أحد الناس يُحمل على ما كان لغير غرض ديني وذلك مثل نعي أهل الجاهلية المشتمل على الصياح بأعلى صوت، وإظهار التفجع عليه، ونحو ذلكم.
ويُحمل النعي المشروع على ما فيه غرض ديني صحيحٌ، كالدعاء للميت، والصلاة عليه، وتكثير المصلّين عليه، ونحو ذلكم.
فقد بوب البخاري في صحيحه: (بَابُ الْإِذْنِ بِالْجِنَازَةِ وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا آذَنْتُمُونِي ) ثم روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ ، فَدَفَنُوهُ لَيْلًا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟ . قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا ، وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ". فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ .
قال ابن حجر معلقاً على ترجمة البخاري: (وَالْمَعْنَى الْإِعْلَامُ بِالْجِنَازَةِ إِذَا انْتَهَى أَمْرُهَا لِيُصَلَّى عَلَيْهَا). (فتح الباري ج3 ص117).
وروى البخاري أيضاً عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ". قَالَ: فَصَفَفْنَا ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوفٌ . قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ : كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي .
وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ).
ورواه أحمد بلفظ: (نَعَى النَّجَاشِيَّ لِأَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ : اسْتَغْفِرُوا لَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى الْمُصَلَّى ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ).
علق ابن حجر بفوائد ونقولات طيبة فقال: (وَفَائِدَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ النَّعْيَ لَيْسَ مَمْنُوعًا كُلُّهُ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَصْنَعُونَهُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ مَنْ يُعْلِنُ بِخَبَرِ مَوْتِ الْمَيِّتِ على أَبْوَاب الدّور والأسواق وَقَالَ ابن الْمُرَابِطِ مُرَادُهُ أَنَّ النَّعْيَ الَّذِي هُوَ إِعْلَامُ النَّاسِ بِمَوْتِ قَرِيبِهِمْ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِدْخَالُ الْكَرْبِ وَالْمَصَائِبِ عَلَى أَهْلِهِ لَكِنْ فِي تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ مَصَالِحٌ جَمَّةٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَادَرَةِ لِشُهُودِ جِنَازَتِهِ وَتَهْيِئَةِ أَمْرِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ سَعِيدُ بن مَنْصُور أخبرنَا بن علية عَن بن عَوْنٍ قَالَ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ أَكَانُوا يَكْرَهُونَ النَّعْيَ قَالَ نعم قَالَ بن عَوْنٍ كَانُوا إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ رَكِبَ رَجُلٌ دَابَّةً ثُمَّ صَاحَ فِي النَّاسِ أَنْعِي فُلَانًا وَبِه إِلَى ابن عون قَالَ قَالَ ابن سِيرِينَ لَا أَعْلَمُ بَأْسًا أَنْ يُؤْذِنَ الرَّجُلُ صَدِيقَهُ وَحَمِيمَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحْضَ الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ حَتَّى كَانَ حُذَيْفَةُ إِذَا مَاتَ لَهُ الْمَيِّتُ يَقُولُ لَا تُؤْذِنُوا بِهِ أَحَدًا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَنْهَى عَن النعي أخرجه التِّرْمِذِيّ وابن ماجة بِإِسْنَاد حسن. قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ. الثَّانِيَةُ دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ فَهَذِهِ تُكْرَهُ. الثَّالِثَةُ الْإِعْلَامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يَحْرُمُ). (فتح الباري ج3 ص116).
وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ ، فَقَالَ: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ . وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ: حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ ، حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ ). رواه البخاري.
وقد استذكر الشيخ الوالد سعيد بن هليل العمر حفظه الله ورعاه حديث فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، لما قالت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ ، مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ ، يَا أَبَتَاهْ ، إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ). وهو استنباط عجيب ومطابق.
وهذا الحديث رواه البخاري وجمعٌ غيره عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: وَا كَرْبَ أَبَاهُ ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ ، مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ ، يَا أَبَتَاهْ ، إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ).
وهذا الحديث رواه البخاري وجمعٌ غيره عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: وَا كَرْبَ أَبَاهُ ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ ، مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ ، يَا أَبَتَاهْ ، إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ).
قال الحافظ ابن حجر: (وَأما قَوْلهَا بعد أَن قبض "وَا أبتاه" إِلَخْ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُتَّصِفًا بِهَا لَا يُمْنَعُ ذِكْرُهُ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَتْ فِيهِ ظَاهِرًا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ أَوْ لَا يَتَحَقَّقُ اتِّصَافُهُ بِهَا فَيَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ). (فتح الباري ج8 ص149).
وقال البيهقي في (السنن الكبرى ج4 ص74 في بَاب مَنْ كَرِهَ النَّعْيَ وَالْإِيذَانَ، وَالْقَدْر الَّذِي لَا يُكْرَهُ مِنْهُ):
(وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُحِبُّ الصِّيَاحَ لِمَوْتِ الرَّجُلِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى حِلَقِ الْمَسَاجِدِ فَأَعْلَمَ النَّاسَ بِمَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ . وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا وَابْنَ رَوَاحَةَ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ . وَعَنْهُ فِي مَوْتِ الْإِنْسَانِ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَدُفِنَ لَيْلًا : أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي . وَفِي رِوَايَةٍ : مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي). انتهى كلامه رحمه الله.
(وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُحِبُّ الصِّيَاحَ لِمَوْتِ الرَّجُلِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى حِلَقِ الْمَسَاجِدِ فَأَعْلَمَ النَّاسَ بِمَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ . وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا وَابْنَ رَوَاحَةَ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ . وَعَنْهُ فِي مَوْتِ الْإِنْسَانِ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ وَدُفِنَ لَيْلًا : أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي . وَفِي رِوَايَةٍ : مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي). انتهى كلامه رحمه الله.
وقال شيخنا الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي رحمه الله: (إن نعي الميت، على نوعين: أحدهما: محرّم، وهو ما كان لغير غرض دينيّ، مثل نعي الجاهليّة المشتمل على ذكر مفاخر الميت، ومآثره، وإظهار التفجّع عليه، وإعظام حال موته، فهذا النوع هو محمل ما ورد من النعي.
الثاني: ما كان لغرض صحيح دينيّ، كتكثير المصلّين عليه؛ تحصيلًا لدعائهم، وتتميمًا للعدد الذي وُعِد بقبول شفاعتهم في الميت، كالمائة، أو الأربعين، أو لتشييعه، وقضاء حقّه في ذلك، وقد ثبت في معنى ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "هلا آذنتموني به"، ونعيه -صلى الله عليه وسلم- أهل مؤتة، جعفرًا، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وكنعيه النجاشيّ في هذا الحديث، فهذا النوع جائز، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب). انتهى كلامه. (البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، ج18 ص435).
الثاني: ما كان لغرض صحيح دينيّ، كتكثير المصلّين عليه؛ تحصيلًا لدعائهم، وتتميمًا للعدد الذي وُعِد بقبول شفاعتهم في الميت، كالمائة، أو الأربعين، أو لتشييعه، وقضاء حقّه في ذلك، وقد ثبت في معنى ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "هلا آذنتموني به"، ونعيه -صلى الله عليه وسلم- أهل مؤتة، جعفرًا، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وكنعيه النجاشيّ في هذا الحديث، فهذا النوع جائز، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، واليه المرجع والمآب). انتهى كلامه. (البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، ج18 ص435).
هذا وقد ثبت عن أبي بكر الصديق أنه لمّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَشَفَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ وجه رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ ، وقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، طِبْتَ
حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللهُ
الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا). رواه البخاري.
وقد أثنى الصحابة على بعض الجنائز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ) ، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ) قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ: وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ: وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، وَجَبَتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ ). متفق عليه واللفظ لمسلم.
قال شيخنا الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي رحمه الله: (الخطاب للصحابة، ومن كان على صفتهم من الإيمان، وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة؛ لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة، بخلاف من بعدهم، قال: والصواب أن ذلك يختصّ بالثقات والمتقين. انتهى.) ثم قال معلقا: (الحقّ كونه عامًّا للصحابة، وغيرهم من المؤمنين؛ للنصوص الكثيرة الواضحة في ذلك: فمنها: ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" عن أبي الأسود الديليّ، قال: قَدِمت المدينة، وقد وقع بها مرضٌ، فجلست إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فمرَّت بهم جنازة، فأُثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت، ثم مُرّ بأخرى، فأُثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت، ثم مُرّ بالثالثة، فأُثني على صاحبها شرًّا، فقال: وجبت، فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت: كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أيما مسلم شَهِدَ له أربعة بخير، أدخله الله الجنة"، فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وثلاثة"، فقلنا: واثنان؟ قال: "واثنان"، ثم لم نسأله عن الواحد. فهذا أصرح في كون الحكم عامًّا للمسلمين كلّهم. ومنها: ما في "صحيح البخاري" في "كتاب الشهادات" في حديث الباب بلفظ: "المؤمنون شهداء الله في الأرض". ومنها: ما أخرجه النسائيّ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث الباب بنحو هذه القصّة بلفظ: "الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض". ومنها: ما أخرجه أبو داود، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث الباب أيضاً في نحو هذه القصّة: "إن بعضكم على بعض لشهيد". فهذه النصوص كلها واضحة في كون الحكم للمسلمين جميعاً، فتبصّر، والله تعالى أعلم).
وقال: (قال الداوديّ - رحمه الله -: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفَسَقَة؛ لأنهم يُثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة؛ لأن شهادة العدوّ لا تقبل) انتهى كلامه. (البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، ج18 ص417).
وقال: (قال الداوديّ - رحمه الله -: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفَسَقَة؛ لأنهم يُثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة؛ لأن شهادة العدوّ لا تقبل) انتهى كلامه. (البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، ج18 ص417).
هذا وقد سأل الشيخ ابن باز سائل فقال: (إنني أرتاح عندما يُرثى أو يغني جماعة ما بأحد الموتى وحيث أن الدين نهى عن ذلك ونهى عن البكاء على الميت ولكني أتأثر وأرتاح عندما يبكون جماعة أو يرثون أحد الموتى، فهل علي ذنب أو كفارة في ذلك أدامكم الله على طريق الحق؟).
فأجاب الشيخ: (هذا فيه تفصيل: إذا كان الرثاء من باب ذكر محاسن الميت بما يشوق إلى التأسي به والاقتداء به في الأعمال الطيبة من الجود والكرم والجهاد في سبيل الله وإنكار المنكر والدعوة إلى الخير فذكر هذا في المراثي ينفع المسلمين ولا يضرهم ويرتاح له كل مؤمن، أما إذا كانت الرثاء تهيج المصائب بالمصائب وتدعو إلى النياحة وتحرك أحوال أقارب الميت حتى يشتغلوا بالنياحة والصياح فلا ينبغي ذكرها ولا ينبغي قراءتها عندهم؛ لأن هذا يسبب مشاكل ويفضي إلى محرمات فلا يفعل. أما الأغاني التي تتضمن دعوة إلى الفسوق والعصيان أو تتضمن دعوة إلى شرب الخمور أو إلى غير هذا من الفساد أو إلى التشويق إلى النساء بغير حق أو إلى الحب بغير حق أو ما أشبه ذلك فهذه يجب إنكارها ويجب الحذر منها؛ لأنها تفسد الأخلاق وتفسد القلوب، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل » والله يقول سبحانه وهو أصدق القائلين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أما الغناء الذي فيه الدعوة إلى الخير والأمر بالخير فينبغي أن يكون بألحان العرب فيكون بالأشعار العربية المعروفة والقصائد العربية فلا محذور فيه لكن بغير ألحان النساء وأشباه النساء، لا، يكون بألحان عربية بالشعر العربي كما كان حسان ينشد في عهد النبي ﷺ في الرد على المشركين).
وهذا رابط فتواه مكتوبةً ومسجلة بصوته رحمه الله: (https://binbaz.org.sa/fatwas/5156/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%B1%D8%AB %D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA%D9%89 )
فالواجب علينا التفريق بين النعي المشروع وبين النعي المحرم لأجل عدم الوقوع في تخطئة السلف الصالحين، سواء قصدنا ذلك أو لم نكن له قاصدين، والله المستعان ولي التوفيق والموفقين، وولي مَنْ كان بين الحق والباطل من المفرقين. هداني الله وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وصلى الله وسلم على رسوله وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
وكتب
عبد الله بن سعيد الهليل الشمري
1 جمادى الأولى 1442
عبد الله بن سعيد الهليل الشمري
1 جمادى الأولى 1442
تعليقات
إرسال تعليق