المقصود بظهور العلم في آخر الزمان، الذي هو من علامات الساعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق المصدوق الأمين، أما بعد:
فقد جاء في عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أنّ منْ أشراط الساعة: ظهور العلم، وجاء في أحاديث أخرى أن من أشراطها ظهور الجهل، فهل الحديثان ثابتان؟ وهل هاهنا تعارض بينهما؟ وإذا لم يكن هناك تعارض، فما هو المقصود بالعلم وما هو المقصود بالجهل؟
اللفظان ثابتان، فلفظ: (ظهور الجهل) جاء في عدة أحاديث في الصحيحين وغيرهما، ولفظ: (ظهور العلم) جاء في غير الصحيحين، وفي رواية أخرى كما سيأتي: (ظهور القلم):
أولا: أحاديث ظهور الجهل:
حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنْهُ : ( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ ).
رواه البخاري ( كتاب العلم - باب رفع العلم وظهور الجهل، 81)، ومسلم ( كتاب العلم - باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن فِي آخر الزمان، 2671).
وجاء هذا المعنى أيضا من حديث أبي هريرة المتفق عليه، فقد روى البخاري ( كتاب العلم - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس، 85)، عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يُقْبَضُ الْعِلْمُ ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا الْهَرْجُ ؟ فَقَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ ).
ورواه مسلم (157) بنحوه.
وقد جاء هذا المعنى في حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فقد روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ (159، ج1 ص55) و (163، ج1 ص323)، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ أَبِي غَلَّابٍ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي جَيْشٍ عَلَى سَاحِلِ دِجْلَةَ، إِذْ حَضرَتِ الصَّلَاةُ فَنَادَى مُنَادِيهِ لِلظُّهْرِ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَى الْوُضُوءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ جَلَسُوا حِلَقًا، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ نَادَى مُنَادِيَ الْعَصْرِ، فَهَبَّ النَّاسُ لِلْوُضُوءِ أَيْضَا، فَأَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى: أَلَا لَا وُضُوءَ إِلَّا عَلَى مَنْ أَحْدَثَ، قَالَ: (أَوْشَكَ الْعِلْمُ أَنْ يَذْهَبَ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ حَتَّى يَضْرِبَ الرَّجُلُ أُمَّهُ بِالسَّيْفِ مِنَ الْجَهْلِ). وإسناده صحيح.
ثانيا: أحاديث ظهور العلم والقلم:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد في مسنده (3870): حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ جُلُوسًا، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، رَأَيْنَا النَّاسَ رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ وَرَكَعَ، وَرَكَعْنَا ثُمَّ مَشَيْنَا، وَصَنَعْنَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَمَرَّ رَجُلٌ يُسْرِعُ، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا وَرَجَعْنَا، دَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ، جَلَسْنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَمَا سَمِعْتُمْ رَدَّهُ عَلَى الرَّجُلِ: صَدَقَ اللهُ، وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ، أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟ فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا أَسْأَلُهُ، فَسَأَلَهُ حِينَ خَرَجَ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهُورَ الْقَلَمِ ".
قلت في هذه الرواية قال عن سيار بدون نسبة، وفي الموضع الآخر (3982) قال: حدثنا يحيى بن آدم أخبرنا بَشير أبو إسماعيل عن سَيَّار أبي الحَكَم عن طارق عن عبد الله ...). الحديث. والصحيح عن سيار أبي حمزة ، كما سيأتي.
قال ابن الجوزي في «جامع المسانيد» (5/ 125): «وظهور القلم: الكتابة». انتهى.
قال أحمد شاكر في تحقيقه «مسند أحمد» (4/ 65 ):
«إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد 7: 328 - 329 ونسبه لأحمد والبزار ببعضه،
وقال: "ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح". ورواه الحاكم بنحوه في المستدرك 4: 445 - 446 من طريق بشير بن سلمان، وقد مضى بعض معناه من وجه آخر 3664، 3848. "ظهور القلم" يريد الكتابة، وهي واضحة في الأصلين بالقاف، وفي الزوائد "العلم" بالعين», انتهى كلامه رحمه الله.
وقال محققو «مسند أحمد»(6/ 416 ط الرسالة) (شعيب الأرنؤوط وآخرون):
«إسناده حسن، سيار -وهو أبو حمزة الكوفي-، روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" 6/ 421، وهو مذكور في بعض نسخ الكتاب دون بعض -كما ذكر محقق الكتاب-، ولم يرد ذكره في النسخة التي وقعت للحافظ ابن حجر، فقال في "تهذيب التهذيب" 4/ 292: ولم أجد لأبي حمزة ذكراً في "ثقات" ابن حبان، فينظر. وقد نقل المزي في "تهذيب الكمال" عن أحمد وأبي داود ويحيى والدارقطني وغيرهم أنهم قالوا: قد أخطأ من قال: هو سيار أبو الحكم. وقد روى له أصحابُ السنن عدا النسائي، والبخاري في "الأدب المفرد"، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. أبو أحمد الزبيري: هو محمد بن عبد الله بن الزبير.
وأخرجه مختصراً البزار (3407) من طريق أبي أحمد -شيخ أحمد-، بهذا الإسناد، وقال: لا نعلمه يروى من حديث طارق عن عبد الله إلا من هذا الوجه.
وأخرجه البخاري بتمامه في "الأدب المفرد" (1049)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 2/ 4 - 5 و 4/ 385، والحاكم 4/ 445 - 446، من طريق أبي نعيم، عن بَشير بن سلمان، عن سيار أبي الحكم، عن طارق، به. وسيار هذا تقدم أنه أبو حمزة لا أبو الحكم. وسكت عنه الحاكم والذهبي.
وأورده الهيثمي في "المجمع" 7/ 329، وقال: رواه كله أحمد، والبزار ببعضه، وزاد: "وأن يجتاز الرجل بالمسجد فلا يصلي فيه"، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح! وهذا وهم من الهيثمي أيضاً ظن أن سياراً هو أبو الحكم، وإنما هو أبو حمزة الكوفي كما ذكرنا آنفاً، وليس هو من رجال الصحيح.
وقد سلف مختصراً برقم (3664).
ولبعضه شاهد من حديث عمرو بن تَغلبَ عند الطيالسي في "مسنده" (1171)، رواه عن ابن فضالة -وهو مبارك-، عن الحسن -وهو البصري-، قال: قال عمرو بن تغلب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً نعالهم الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً كأن وجوههم المجانّ المُطْرقة، وإن من أشراط الساعة أن يكثر التجار، ويظهر القلم"، وأخرج قسميه الأولين أحمد كما سيرد 5/ 70، وصرح الحسن عنده بالتحديث، وعنده جرير بن حازم بدل مبارك بن فضالة» انتهى.
حديث الحسن البصري عن عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ رضي الله عنه:
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَفْشُوَ الْمَالُ وَيَكْثُرَ ، وَتَفْشُوَ التِّجَارَةُ ، وَيَظْهَرَ الْعِلْمُ ، وَيَبِيعَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ ، فَيَقُولَ: لَا ، حَتَّى أَسْتَأْمِرَ تَاجِرَ بَنِي فُلَانٍ ، وَيُلْتَمَسَ فِي الْحَيِّ الْعَظِيمِ الْكَاتِبُ فَلَا يُوجَدُ ).
رواه النسائي ( كتاب البيوع - باب التجارة، 4486 / 1)،
ورواه أحمد في مسنده (24476)، بلفظ: (وَيَظْهَرَ الْقَلَمُ).
ورواه الحاكم ( كتاب البيوع - إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل، 2157)، بلفظ: (وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ)، وقال: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِهِمَا صَحِيحٌ ، إِلَّا أَنَّ عَمْرَو بْنَ تَغْلِبَ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ الْحَسَنِ ). ووافقه الذهبي في التلخيص.
قال الفريق العلمي لمكتب خدمة السنة، بإشراف أشرف بن محمد نجيب المصري، في تحقيقهم لمستدرك الحاكم: (بل انفرد البخاري بإخراج الحسن عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه). انتهى.
قلت: ولا تعارض بين هذه الألفاظ ولا إشكال عندما ننظر إلى المعنى كما سيأتي بيانه.
وقد تكلم أهل العلم في ذلك، وقالوا: إن المقصود بظهور العلم في آخر الزمان هو: تعلم الكتابة والقراءة، بحيث تكون الأُمِّيَّة شبه معدومة، وبعض أهل العلم يقول: المقصود بظهور العلم: هو انتشار العلم الدنيوي وليس العلم الشرعي، قلت: وكلا الأمرين مشاهد اليوم!، فالأمية شبه معدومة، والعلوم الدنيوية منتشرة اليوم انتشارا ليس له مثيل، وسهولة الحصول عليها لم نعلم لها مثيل عبر العصور، بل حتى الكتب والفوائد الشرعية الحصول عليها من أسهل الأشياء، سواء مكتوبةً أو مسموعةً أو مرئية، فسبحان الله العظيم ربي رب البرية.
فاتضح بذلك أن المراد بالعلم الذي يكثر الجهل به في آخر الزمان: هو ميراث النبوة، وهو: علم الشريعة، فيظهر حينئذ الجهل ويقل العلم الشرعي أو ينعدم.
وإليكم المزيد من أقوال أهل العلم في ذلكم:
قال الحافظ أبو حاتم ابن حبان، وهو يتكلم عن: علم العلل والجرح والتعديل والذي يتوصل به إلى تمييز الروايات المقبولة والمردودة:
«... وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن العلم ينقص في آخر الزمان، وأرى العلوم كلها يزداد إلا هذه الصناعة الواحدة، فإنها كل يوم في النقص، فكأنَّ العلم الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أمته بنقصه في آخر الزمان هو معرفة السنن، ولا سبيل إلى معرفتها إلا بمعرفة الضعفاء والمتروكين.
ذكر السنة في ذلك
حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يتقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنقُصُ الْعلمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَن، وَيَكثُرُ الْهَرَجُ" قيل. يا رسود الله أيم هو؟ قال: "الْقَتْلُ الْقَتلُ".
قال أبو حاتم: في هذا الخبر كالدليل على أن ما لم ينقص من العلم ليس بعلم الدين في الحقيقة، إذ أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن العلم ينقص عند تقارب الزمان.
وفيه دليل على أن ضد العلم يزيد، وكل شيء زاد مما لم يكن مرجعه إلى الكتاب والسنة، فهو ضد العلم، ولست أعلم العلوم كلها إلا في الزيادة إلا هذا الجنس الواحد من العلم، وهو الذي لا يكون للإسلام قوام إلا به، إذ الله عز وجل أمر الناس باتباع رسوله، وعند التنازع الرجوع إلى ملته عند الحوادث، حيث قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ثم نفى الإيمان عمن لم يحكِّم رسوله فيما شجر بينهم فقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فمن لم يحفظ سنن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحسن تمييز صحيحها من سقيمها. ولا عرف الثقات من المحدثين ولا الضعفاء من المتروكين، ومن يجب قبول انفراد خبره ممن لا يجب قبول زيادة الألفاظ في روايته، ولم يحسن معاني الأخبار، والجمع بين تضادها في الظواهر، ولا عرف المفسر من المجمل، ولا المختص من المتقضى [المفصل]، ولا الناسخ من المنسوخ، ولا اللفظ الخاص الذي يراد به العام، ولا اللفظ العام الذي يراد به الخاص، ولا الأمر الذي هو فريضة وإيجاب، ولا الأمر الذي هو فضيلة وإرشاد، ولا النهي الذي هو حتم لا يجوز ارتكابه من النهي الذي هو ندب مباح استعماله مع سائر فصول السنن وأنواع أسباب الأخبار على حسب ما ذكرناها في كتاب فصول السنن. كيف يستحل أن يفتي؟ أم كيف يسوغ لنفسه تحريم الحلال وتحليل الحرام تقليدًا منه لمن يخطئ ويصيب؟ راففًا قول من {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى صلى الله عليه وسلم.
وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم كيفية نقص العلم الذي ذكر في خبر أبي هريرة، وأن ذلك ليس برفع العلم نفسه، بل هو موت العلماء الذين يحسنون ذلك.
ذكر السنة المصرحة بذلك
حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عمر القواريري، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا هشام بن عروة قال: حدثني أبي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو من فيه إلى فِيَّ، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَا يَقْبِضُ يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقبِضُ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فسُئِلُوا فَأَفتُوْا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". قال أبو حاتم: في هذا الخبر دليل على أن رفع العلم الذي ذكرنا قبل ونقصه عند تقارب الزمان لا يكون برفع يرفع من الأرض، ولكنه بموت العلماء الذين يحسنون علم السنن على حسب ما ذكرنا فصولها حتى لا يبقى منهم إلا الواحد بعد الواحد، ثم يتخذ عند ذلك الناس رؤساء لا يحسنون ذلك، فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون، نعوذ بالله من حالة تقربنا إلى سخطه وأليم عقابه.
وإنما نوينا في بث ما خرجنا من هذه الكتب التي لم يمعن أئمتنا الكلام فيها، ولا فرعوا الفروع عليه اعتمادًا منا على اكتساب الذخر في الآجل، لأنه من خير ما يخلف المرء بعده بحكم النبي صلى الله عليه وسلم ».
انتهى من كتابه «المجروحين ت حمدي» (1/ 20).
وقال الإمام الألباني عن لفظة: (ظهور العلم): (وقد فسرها علي بن معبد بقوله: " يعني الكتاب " أي الكتابة. قال العلامة أحمد شاكر: " يريد الكتابة ". قلت: ففي الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس القراءة والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك، فتعلن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى! فالحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي. ولا يخالف ذلك - كما قد يتوهم البعض - ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة اليوم، فإن كثيرا من الشعوب الإسلامية فضلا عن غيرها، لم تستفد من تعلمها القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية، إلا ما قل وندر، وذلك مما لا حكم له. وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو، وصدقته عائشة). (السلسلة الصحيحة 2767) وقد أوضح الألباني أن لفظة (ظهور العلم) ثابتة، وأنه يوضحها الرواية الأخرى: (ظهور القلم)، كما في المصدر السابق.
وقال شيخنا العلامة محمد بن علي آدم: (هكذا فِي معظم النسخ بلفظ "العلم"، والظاهر أن المراد به علم الدنيا، ويؤيّد هَذَا ما وقع فِي "الكبرى" بلفظ: "ويظهر القلم" بالقاف، فإن ظهور القلم إنما يكون بسبب انتشار العلم الدنيويّ، كما هو المشاهد الآن، ولا تنافي بينه وبين حديث أنس -رضي الله عنه-، مرفوعًا: "إن منْ أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا"، متّفقٌ عليه، فإن المراد به العلم الديني، فالناس جهلاء فِي أمور دينهم؛ لبعدهم عنه، علماء بأمور دنياهم؛ لانهماكهم فِي حبّ الدنيا، وانشغالهم بها. وأما ما قاله السنديّ: منْ معنى "يظهر العلم" يزول، ويرتفع: أي يذهب العلم عن وجه الأرض، فبعيد عن لفظ الْحَدِيث، ولعله إنما فسّره به لئلا يتعارض مع حديث أنس -رضي الله عنه- المذكور، ولا تنافي بينهما، كما أوضحته آنفًا، ولله الحمد. ووقع فِي بعض النسخ: "ويظهر الجهل"، وهو واضح. والله تعالى أعلم). (ذخيرة العقبى ج34 ص105).
ولذلك ترجم الشيخ العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله لحديث ظهور العلم بقوله (ظهور العلم الدنيوي)، وصحح هذا الحديث، كما في كتابه (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين) حيث قال: «76 - ظهور العلم الدنيوي
119 - قال الإمام النسائي رحمه الله (ج 7 ص 244): أخبرنا عمرو بن علي قال أنبأنا وهب بن جرير قال حدثني أبي عن يونس عن الحسن عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «إن من أشراط الساعة أن يفشو المال ويكثر وتفشو التجارة ويظهر العلم ويبيع الرجل البيع فيقول لا حتى أستأمر تاجر بني فلان ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد». هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين.
وأخرجه الحاكم (ج 2 ص 7) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وإسناده على شرطهما، إلا أن عمرو بن تغلب ليس له راوٍ غير الحسن».
انتهى من كتابه: (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين) (1/ 121).
وكتب
عبد الله الهليل الشمري
24 جمادى الثانية 1442
تعليقات
إرسال تعليق