خطبة الجمعة ( شهر رجب من الأشهر الحرم )
خطبة الجمعة ( شهر رجب من الأشهر الحرم )
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن
خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى اختص بعض الأزمان
بخصائص ومزايا، ومزيد اعتناء، ومن ذلكم الأشهر الحرم، وهي ثلاثة سَرْد: ذو القعدة
وذو الحجة ومحرم، وواحد فرد، وهو رجب، فهذه الأشهر الأربعة جعلها الله حُرُما
بقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي
كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). قَالَ
ابْن عَبَّاسٍ: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا
ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حَرَامًا، وعَظم
حُرُماتهن، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ
وَالْأَجْرَ أَعْظَمَ.
فمن خصائص هذه الأشهر الحرم أنها سميت حرما
لزيادة حرمتها، وأن الذنب فيها أشد من غيرها وأخطر، فاحذروا عباد الله وحاذروا،
واصبروا وصابروا، وليكن خوفكم فيها أكبر تفلحوا وتنجحوا، قال الله: (ذَلِكَ وَمَنْ
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
والله سبحانه وتعالى هو الحكيم الخبير لا يشرع
شيئا إلا لحكمٍ عظيمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وإن من الحكم في زيادة
تحريم هذه الأشهر: حكم أمنية، لأجل أن يأمن الناس في طرق أسفارهم، ومنها طرق الحج.
ومن الحكم أيضاً: التفكر والاعتبار في آيات الله وشرعه وأن الشارع سبحانه وتعالى
أراد بالناس الخير . قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن
شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}
هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: فإن خير
الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشر
الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله
واعلموا رحمكم الله أنه قد ثبت في السنة عَنْ
أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أنه نقل خطبة النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في حجة الوداع أنه قَالَ: ( إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ
كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ؛ ذُو
الْقَعْدَةِ ، وَذُو الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ ،
الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ . ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ ؟ قُلْنَا: بَلَى،
قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:
فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ
الْبَلْدَةَ ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قُلْنَا: اللهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ
اللهِ ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ
عَلَيْكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، فِي
شَهْرِكُمْ هَذَا ، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ ،
فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا ( أَوْ ضُلَّالًا ) يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَلَعَلَّ بَعْضَ
مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ. ثُمَّ قَالَ:
أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ). متفق عليه واللفظ لمسلم. في قول النبي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ فَأَيُّ يَوْمٍ
هَذَا ؟) ثم إجابته عنها دليلٌ على مشروعية ضرب المَثَل، وإلحاق النظير بالنظير؛
ليكون أوضح للسامع، وإنما شَبَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرمة الدم،
والعرض، والمال بحرمة اليوم، والشهر، والبلد؛ لأن المخاطَبين بذلك كانوا لا يرون
تلك الأشياء، ولا يرون هتك حرمتها، ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، وإنما قدم
السؤال عنها تذكيرا لحرمتها، وتقريراً لِمَا ثبت في نفوسهم ليبني عليه ما أراد
تقريره على سبيل التأكيد.
عباد الله إن أهل الجاهلية كانوا يعظمون حرمة
الأشهر الحرم تعظيما شديداً، فكانوا يوقفون القتال فيها، ويوقفون غاراتهم فيها؛
تعظيماً لها مع أنهم مشركون بالله جلا وعلا فكيف بك أيها المسلم ؟! ألست أولى
وأحرى بتعظيم حرمات الله ؟! فاحذر يا عبد الله أن يكون تعظيمك للأشهر الحرم أضعف وأقل
من تعظيم المشركين لها، يا عبد الله ألم يقل الله {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}. ؟ ألم يقل الله: {ذَلِكَ وَمَنْ
يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} ؟
جعلنا الله من المعظمين لحرماته، الواقفين عند
حدوده بمنه وكرمه ورحمته
اللهم ربنا أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين،
اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ورزقا طيبا مباركا واسعا اللهم إنا
نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق وسيء
الأخلاق، اللهم إنا نعوذ بك من قلوب لا تخشع ومن علوم لا تنفع ومن نفوس لا تشبع
ومن دعوات لا تسمع اللهم إنا نسألك العفو والعافية اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وجميع المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميع
المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد والحمد لله
رب العالمين.
رابط مباشر لتحميل الخطبة بصيغة pdf و word:
تعليقات
إرسال تعليق