خطبة الجمعة ( بيان حكم أخذ الأموال، وبيان أهل الصدقة المستحقين لها )

 

خطبة الجمعة ( بيان حكم أخذ الأموال، وبيان أهل الصدقة المستحقين لها )

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:

قال تعالى: { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [سورة الفجر: 20]. وقال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]. وقال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 6- 8]. الخير هنا هو المال كما قال السلف.  فالإنسان بطبيعته يحب المال حبا شديدا، ولكنه مأمور بأن يضبط هذا الحب، وأن يطيعَ ربه تجاهه، وأن يقدمَ حبه على حب المال، ومن ذلكم أن لا يأخذ الأموال من كل طريق، وأن يأخذها من طرق مشروعة فقط.

عباد الله قد جاءت النصوص الشرعية الواضحة توضح هذا الأمر الهام والذي يقع كثيرا، خاصة مع حب الناس للمال، فقد بيَّن الله لنا في كتابه أهل الزكاة، فقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (التوبة 60) فهذه الأصناف الثمانية هي التي تستحق الزكاة المفروضة دون غيرها من الناس.

هذا وقد فصل نبينا صلى الله عليه وسلم حكم أخذ أموال الناس، سواء كان ذلك بطلب أو بغير طلب، وسواء كانت هذه الأموال من الزكاة أو من غيرها، وحثنا عليه الصلاة والسلام على الاستعفاف، فمما ثبت في ذلكم ما رواه الشيخان عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ). متفق عليه واللفظ للبخاري.  وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ، وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ: ( الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ ). متفق عليه واللفظ لمسلم.  فهذه الرواية مفسرة للتي قبلها.  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ). متفق عليه واللفظ للبخاري، البخاري (1470) ومسلم (1042)

هذا وقد جاء التشديد في تحريم المسألةِ، والتحذير من هذا الفعل، باستثناء مَنِ استثناه الشرع: فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ). متفق عليه. وهذا من أشد ما ورد في الزجر عن المسألة.  وجاء في حديث آخر أشدُّ ما يكونُ من الوعيد الشديد لمن سأل أموال الناس وهو غير معذور شرعا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ ، أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ). رواه مسلم (1041) وأحمد (7243). وابن ماجة وزاد: ( جَمْرَ جَهَنَّمَ ).

وفيه بيان أن سؤال الناس مالاً لأجل التكثر أنه من الطمع المذموم المحرم، وفيه أن هذا الفعل من كبائر الذنوب، لأنه رتب وعيدا شديدا عليه وهو نار جهنم والعياذ بالله. وأولى من يدخل في هذا أولئك الذين اتخذوا المسألة مهنةً وعادة.   وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ ). رواه الترمذي (681) والنسائي (2599) وأحمد ورواه أبو داود (1639) وأحمد (20423) والطيالسي (930) وابن حبان (3397) بلفظ: (الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا )، وفي لفظ عند ابن حبان (3386): ( أَوْ يَنْزِلَ بِهِ أَمْرٌ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا ).

وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ: أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ ، فَسَأَلَاهُ مِنْهَا ، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ ، وَخَفَضَهُ ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ : ( إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا ، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ). رواه أبو داود واللفظ له، ورواه النسائي، وأحمد وقواه.

فهذا الحديث فيه تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من مسألة هاذين الرجلين حتى ظهر التعجب على أفعاله حيث جعل ينظر إلى أعلاهما وأسفلهما لينظر هل فيهما علة توجب المسألة، كشلل وبتر أو غير ذلك من العلل ! فلما رآهما صلى الله عليه وسلم أشداء لا علة فيهما أخبرهما أن الصدقة لا تجوز للغني ولا للقوي القادر على التكسب.   وعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا قَالَ: ثُمَّ قَالَ : ( يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ، ثُمَّ يُمْسِكُ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ، - أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ). رواه مسلم (1044) واللفظ له، وفي رواية: (سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا). والسحت: الحرام، سمّي به لأنه يسحت وَيمحَقُ.    

هذا وإن الذي يسأل وهو لا تحل له المسألة وهو قادر على التكسب: لا شك بأنه ضعيف، وقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ). رواه مسلم.

فاتقوا الله عباد الله وتصدقوا على من تعرفون أنه مستحق للصدقة، استجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومنعاً لوصول الأموال إلى أعداء الإسلام وأهله، ومنعاً لمن اتخذ المسألة مهنة ووظيفة، إلى غير ذلكم من الحكم التي اقتضت هذه الأوامر التي سمعتموها في هذه النصوص الشرعية.

الخطبة الثانية: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخوة الإسلام، إن شرع الله كامل شامل لجميع المصالح الدنيوية والأخروية، ومن ذلكم أن الشرع قد استثنى من تحريم المسألة ما يلي: الاستثناء الأول: سؤال السلطان عند الحاجة.  والاستثناء الثاني: عند تحمل الحمالة، وهي: ما يتحمّله الإنسان عن غيره، من دية، أو غَرَامة، مثل أن يقع حربٌ بين فريقين، تُسفَك فيها الدماء، فيدخل بينهم رجلٌ يتحمّل ديات القتلى؛ ليُصلح ذات البين، والتحمّل أن يحملها عنهم على نفسه -أي يتكفلها، ويلتزمها في ذمّته. فإذا أدى الحمالة ودفعها وجب عليه الكف عن المسألة لزوال السبب المبيح للمسألة.  والاستثناء الثالث: عند نزول جائحة ، وهي: الآفةُ التي تُهلك الثمارَ، والأموالَ، وتستأصلُهَا، وكلُّ مُصِيبَة عظيمة وفِتْنَةٍ مُبِيرَة ، كالغَرَق، والْحَرق، والبرد، المفسد للزروع والثمار. فإذا تحسن حاله المالي ، حرمت عليه المسألة بعد ذلك ؛ لزوال السبب المبيح للمسألة.

والاستثناء الرابع: عند نزولِ الفاقةِ والحاجةِ الشديدةِ، فإذا تحسن حاله المالي ، حرمت عليه المسألة بعد ذلك ؛ لزوال السبب المبيح للمسألة. ودليل هذه الثلاثة حديث قبيصة المتقدم، وما في معناه من الأحاديث.  والاستثناء الخامس: غير المستطيع لطلب الرزق، كالمشلول والمبتور ، ودليله حديث عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ.

والاستثناء السادس من تحريم المسألة: سؤال الفقير لزوجته الغنية، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ، تَصَدَّقُوا . فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ . فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ . ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، جَاءَتْ زَيْنَبُ ، امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذِهِ زَيْنَبُ ، فَقَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ . فَقِيلَ: امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: نَعَمِ ، ائْذَنُوا لَهَا . فَأُذِنَ لَهَا ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ ، إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ ). رواه البخاري.

والشاهد منه: إباحة الشرع لمن كان حاله مثل حال ابن مسعود أن يأخذ من زوجته صدقتها. مع التنبيه على أنه لا يجوز العكس، وهو إعطاء الرجل زكاته إلى امرأته، لأن الشرع أوجب عليه النفقة على مَنْ يعول، ومنهم: زوجته، والزكاة لا تحل إلا للأصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

عباد الله أما مَنْ جاءه مالٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فليس داخل في ذلك، فعن عَبْد اللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا ، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ ). متفق عليه واللفظ لمسلم.

اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ورزقا طيبا مباركا واسعا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ووالدينا وجميع المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد والحمد لله رب العالمين.

روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة بصيغة pdf و word:

https://t.me/WWWAW/908

https://t.me/WWWAW/907

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.