التحذير من قناة فكر التنوير والرد على بعض ضلالات د. محمد هداية

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، أما بعد:

فإنه قد سألني أحد الأفاضل -حفظه الله- عن حقيقة كلام ورد في مقطع منشور على قناة (فكر التنوير) في اليوتيوب، والمقطع بعنوان: (المفهوم الحقيقي للعين والحسد - الدكتور محمد هداية)، وبعد النظر فيه تبين لي ما يلي:

1- أن المتكلم يرى نفسه أعلم من أهل العلم منذ القرون المفضلة الأولى، وهذا تبين لي من خلال أسلوبه وتبجحه وانتقاده اللاذع باستعمال عبارات سيئة، ومن خلال تشكيكه لمسائل تُعتبر من المسلمات لدى أهل العلم، ومن خلال تخبطه في الاستدلال.

2- أن المتكلم حاول أن يقنع الناس من خلال أدلة لا تطابق وجه الدلالة، أي أنه يذكر بعض الأدلة التي فسرها على فهمه هو وليس على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يُعرف مراد الله إلا بعد فهم النصوص الشرعية بفهم السلف الصالح، وعلى رأسهم: النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.

في هذا المقطع ينكر تعريف الحسد عند جماعة من أهل العلم، من أن الحسد: (تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ) وهو تعريف صحيح، فإن الحسد درجات، والتمني ينتج عنه العمل سواء كان شهوةً أو قولاً أو فعلاً والفعل قد يكون بالعين أي بالنظرة التي تسبب الضرر في المعيون وهو المحسود. وعلى كل حال فالتعريف قد يحصر جميع معاني الشيء وقد لا يحصرها فلماذا هذا التخبط والتشنيع وإطلاق لفظة: الكذب والنصب على أهل العلم الذين عرّفوا الحسد بهذا التعريف؟!!.

والعجيب أنه فسر الحسد بالفعل، والحسد يكون بالقلب ويكون بالقول ويكون بالفعل فلا يصح حصره بالفعل فقط. فاتضح بذلك أن تعريف أهل العلم السابق أقرب إلى الحق من تعريفه هو. لأن ما يكون بالقلب من باب الأولى أنه قد يكون بالفعل!.

ثم هناك فرق بين الحسد وبين الْغِبْطَة، والْفرق بَينهمَا أَنّ الْحَسَد: تمنِّي زَوَال النِّعْمَة، وَالْغِبْطَة: تمني مثل النِّعْمَة، وقيل: الِاغْتِبَاط أَصله الْحَسَد.

ومن هنا تعرف معنى الحديث الآخر: (لا حسد إلا في اثنتين)، وأن المراد بالحسد هنا: الغبطة، والحديث رواه جمع من الصحابة كما سيأتي وهذا لفظ الحديث: 

عن عَبْد اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ). متفق عليه

عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: (رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا). متفق عليه

قال ابن حجر: ((فَائِدَةٌ زَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَسَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا الْغِبْطَةُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَفْظُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ) أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ -بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَويلا فِيهِ اسْتِوَاء الْعَامِل فِي الْمَالِ بِالْحَقِّ وَالْمُتَمَنِّي فِي الْأَجْرِ، وَلَفْظُهُ: (وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ فُلَانٌ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ) وَذَكَرَ فِي ضِدِّهِمَا أَنَّهُمَا: (فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ)، وَقَالَ فِيهِ (يعني الترمذي): حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)). [فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج1 ص167).

قلت: وهذا لفظ حديث أبي هريرة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ ، فَقَالَ رَجُلٌ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ). رواه البخاري.


ومن ضلالات (د. محمد هداية) أنه يُنكر نزول عيسى عليه السلام !! ويقول هذا كلام فارغ! مستدلاً بقوله تعالى عن عيسى {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } (المائدة 117). منكراً بذلك السنة الثابتة التي أثبتت نزوله في آخر الزمان بقدرة الله تعالى. 

وإنكاره هذا هو بسبب جهله، فإن المراد بالوفاة في هذه الآية وفي الآية الأخرى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (آل عمران 55) معنى آخر غير الموت الأكبر، وقد اختلف أهل التفسير في معنى الوفاة هنا، ذكر ابن جرير الطبري أقوال أهل التفسير فيها ورجح ما يلي، قال الطبري: (وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا، قولُ من قال: "معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ"، لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض مدةً ذكَرها، اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه). [تفسير ابن جرير ج6 ص458]. 

وقال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (المائدة 60): ((يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَتَوَفَّى عِبَادَهُ فِي مَنَامِهِمْ بِاللَّيْلِ، وَهَذَا هُوَ التَّوَفِّي الْأَصْغَرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } [آلِ عِمْرَانَ: 55] ، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزُّمَرِ: 42] ، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْوَفَاتَيْنِ: الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حُكْمَ الْوَفَاتَيْنِ الصُّغْرَى ثُمَّ الْكُبْرَى، فَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} أَيْ: وَيَعْلَمُ مَا كَسَبْتُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِالنَّهَارِ. وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ دَلَّتْ عَلَى إِحَاطَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ، فِي حَالِ سُكُونِهِمْ وَفِي حَالِ حَرَكَتِهِمْ، كَمَا قَالَ: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرَّعْدِ: 10] ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أَيْ: فِي اللَّيْلِ {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الْقَصَصِ: 73] أَيْ: فِي النَّهَارِ، كَمَا قَالَ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النَّبَأِ: 10، 11]؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} أَيْ: مَا كَسَبْتُمْ بِالنَّهَارِ {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} أَيْ: فِي النَّهَارِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: أَيْ فِي الْمَنَامِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدُوَيه بِسَنَدِهِ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكٌ إِذَا نَامَ أَخَذَ نَفْسَهُ، ويُرَد إِلَيْهِ. فَإِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي قَبْضِ رُوحِهِ قَبَضَهُ، وَإِلَّا رُدَّ إِلَيْهِ"، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ})). انتهى كلام ابن كثير. [تفسير ابن كثير ج3 ص265].

فهاهم أهل البدع دائماً يفهمون النصوص الشرعية بفهمهم هم ثم يستدلون بها، كما قال بعض السلف الصالح، ولا يفهمونها على فهم السلف، ولو أنهم فهموها على فهم السلف لعرفوا مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَلَكِنْ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُمْ يَبْتَدِعُونَ أَقْوَالًا يَجْعَلُونَهَا وَاجِبَةً فِي الدِّينِ بَلْ يَجْعَلُونَهَا مِن الْإِيمَانِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ كَفِعْلِ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّة وَالرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ). (مجموع الفتاوى ج19 ص212). (منهاج السنة ج5 ص95).


تحذير من قناة ( فكر التنوير ):

هذه القناة خبيثة مبتدعة ضالة وهذا بسبب أنها تنشر لبعض كبار أهل البدع، مثل: 1- حسن فرحان المالكي، وهو مبتدع شيعي خبيث حذر منه أهل العلم. 2- عدنان إبراهيم وهو دجال جمع خليطاً من ضلال الملاحدة والشيعة وغيرهم وقد حذر منه أهل العلم وردوا على ضلالاته، وردودهم منشورة على الإنترنت.

فالأولى أن تسمى هذه القناة: (فكر التظليم والظلام) وليس: فكر التنوير، وقد قال تعالى: { وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور 40)

فاحذروا أهل البدع والملاحدة على وجه الخصوص الذين يحاولون ضرب الإسلام من داخله، بالتشكيك والمراوغة والخداع الباطل فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وسلم.


وكتب 

عبد الله بن سعيد الهليل الشمري

21 شعبان 1442


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)