خطبة الجمعة (أحكام زكاة الفطر، والترغيب بإحياء جميع ليالي العشر)
خطبة الجمعة (أحكام زكاة الفطر، والترغيب بإحياء جميع ليالي العشر)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن
خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فإن رمضان شهر القربات، اجتمعت فيه سنن كثيرة
وواجبات، فضله عظيم على الأفراد والمجتمعات، ولأجل أنه شهر مبارك شُرِع فيه العديد
من الأعمال الصالحات، سماه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شهر الصبر في
غير ما حديث، منها ما ثبت عند أحمد والنسائي وغيرهما عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( صَوْمُ
شَهْرِ الصَّبْرِ ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ ).
فاصبروا وصابروا ورابطوا على الطاعات
وإن من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى الله: أن
يخرج زكاة الفطر من قوت البلد، وهي واجبة لازمة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا قَالَ: ( فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
زَكَاةَ الْفِطْرِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، عَلَى
الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ
إِلَى الصَّلَاةِ ). متفق عليه (البخاري: 1503)، (مسلم: 984، 986).
ومن الحكم في تشريع هذه العبادة العظيمة ما
ثبت عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( فَرَضَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً
لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، فَمَنْ
أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا
بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ ). رواه أهل السنن
بإسناد حسن.
عباد الله إن الشارع الحكيم سبحانه وتعالى أمر
بإخراج زكاة الفطر من الطعام، وهو بهذا الأمر له حكم ومصالح قد لا نحيط بها،
فأخرجوا زكاة فطركم من الطعام لا من غيره، ولا تستدركوا عليه شيئاً فهو عليم خبير
حكيم بصير. وقدر الزكاة: صاع واحد، وهو يعادل أربعة أمداد، أي ملء اليدين
المعتدلتين أربع مرات، والصاع يعادل بالكيلوغرام ما بين الإثنين والنصف إلى
الثلاثة، فبعض أهل العلم يقولون يعادل: اثنين ونصف كيلو، وبعضهم يقولون يعادل:
ثلاثة كيلو، والثلاثة أكمل، لأن الزيادة خير للمعطي والآخذ.
عباد الله: يجب على الرجل الذي عنده من ينفق
عليه ويعولهم أن يخرج الزكاة عن نفسه وعمن يعول صغارا وكبارا، بما فيهم العبيد كما
تقدم في الحديث.
ووقت إعطاءها يبدأ قبل العيد بيومين وينتهي
بانتهاء صلاة العيد، لما روى البخاري (1511) عن نافع مولى ابن عمر أنه قال: (وَكَانُوا
يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ). والأفضل أن تُؤدى يوم
العيد وقبل صلاة العيد، فمن أداها بعد صلاة العيد فهي غير مجزئة، بل هي صدقة من
الصدقات، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ
الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ ،
فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ). ومع ذلك عليه إخراجها ولو بعد الصلاة، لأنها
متعلقة بذمته.
واعلموا رحمكم الله أن زكاة الفطر لا تُعطى
إلا لمن يستحقها: وهو الفقير الذي يأخذها لحاجته، ولا تعطى للأصناف الأخرى
كالمؤلفة قلوبهم. (مجموع فتاوى ابن تيمية 25 / 73).
وكذلك يجوز للرجل إخراجها عن غيره ممن لا يعول، فقد ثبت عن ابن عمر أنه كان يخرج
زكاة الفطر عن بني نافع. رواه البخاري (1511).
عباد الله أعطوا زكاتكم طيبة بها نفوسكم،
وأعطوا مما تحبون من الطعام، فقد قال تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ
عَلِيمٌ} (آل عمران: 92). وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ
إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (البقرة:
267)
هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
الخطبة الثانية:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد:
فاتقوا الله، يحببكم ويشكر لكم الله، عباد
الله، اجتهدوا في باقي ليالي العشر، أحيوها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن وطلب العلم
ونشره وغير ذلكم من القربات، فلربما وافقتم ليلة القدر فيها، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}. ويا فوز من قامها إيماناً واحتساباً، ويا خسارة
من حرمها.
عباد الله ما بال أقوام يقومون الليل في
الأوتار فقط، فليعلم هؤلاء أنهم قد فاتهم فضل عظيم بتفويتهم ليالي الأشفاع،
وليعلموا أن ليلة القدر قد تكون في الأشفاع، كما جاء في غير ما حديث منها: ما رواه
البخاري (2022) عن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هِيَ فِي الْعَشْرِ ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ ،
أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ ، يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ)، قَالَ عَبْدُ
الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ وَعَنْ خَالِدٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: (الْتَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ). والروايات فيها كثيرة،
نعم صحيح أن الأحرى أنها تكون في الأوتار كما ثبت في الحديث الآخر، ولكن الاجتهاد
الاجتهاد فهي ليال معدودة يسيرة.
إخوة الإيمان ذكر أهل العلم أن الله سبحانه
وتعالى أخفى ليلة القدر لحكم عظيمة، منها: أنه أراد أن يجتهد الناس في العشر كلها،
حتى يدركوا الفضائل العظيمة والدرجات العالية.
إخوة الإيمان كبروا الله واشكروه عند انقضاء
صومكم، لأن الله قال في آخر آية فرض الصيام: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
(البقرة 185) أَيْ: وَلِتَذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عِبَادَتِكُمْ،
وَلِهَذَا أَخَذَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَشْرُوعِيَّةَ التَّكْبِيرِ فِي
عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} وَقَوْلُهُ: {وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ} أَيْ: إِذَا قُمْتُمْ بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ مِنْ طَاعَتِهِ
بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَتَرْكِ مَحَارِمِهِ، وَحِفْظِ حُدُودِهِ، فَلَعَلَّكُمْ
أَنْ تَكُونُوا مِنَ الشَّاكِرِينَ بِذَلِكَ.
اللهم أعنا
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ربنا أصلح قلوبنا وثبتها على دينك، ربنا أدخلنا
برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ورزقا طيبا
مباركا واسعا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم إنا نعوذ بك من
النفاق والشقاق وسيء الأخلاق، اللهم إنا نعوذ بك من قلوب لا تخشع ومن علوم لا تنفع
ومن نفوس لا تشبع ومن دعوات لا تسمع اللهم إنا نسألك العفو والعافية اللهم آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وجميع المسلمين، اللهم اغفر لنا
ولوالدينا وجميع المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل
محمد والحمد لله رب العالمين.
روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة بصيغة pdf و word:
تعليقات
إرسال تعليق