خطبة الجمعة ( موت الفجأة نعمة للمؤمن المستعد، ونقمة على الكافر والفاجر، وبيان الأمر الشرعي في إعطاء الصدقة )

 

خطبة الجمعة ( موت الفجأة نعمة للمؤمن المستعد، ونقمة على الكافر والفاجر، وبيان الأمر الشرعي في إعطاء الصدقة )

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:

فقد قال تعالى في ثلاث مواضع من كتابه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ}

وإن الموت يأتي على أحوال عديدة، يقدرها الله كيف شاء ومتى شاء، ومن أحوال الموت أنه يأتي فجأةً، ويسمى: موت الفَجْأة أو موت الفُجَاءَة، والفَجْأة والفُجَاءَة معناهما واحد، وهو: كلُّ مَا هَجَمَ عَلَيْك من أمْرٍ لَمْ تَحتَسِبْه فقد فَجِئَكَ.

وإن المؤمن قد يموت فجأةً، وإن موت الفجأة يعتبر نعمة للمؤمن المستعد، ونقمة على الكافر والفاجر.

روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ).

ففي قوله (افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا) أي ماتت فجأة.

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود: "مَوْتُ الْفَجْأَةِ رَاحَةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَتَحَيُّفٌ عَلَى الْكَافِرِ".

وجاء أيضاً عن عَبْدِ اللهِ بن مسعود، وَعَائِشَةَ، موقوفاً، بلفظ: ((مَوْتُ الْفَجْأَةِ رَأْفَةٌ بِالْمُؤْمِنِ، وَأَسَفٌ عَلَى الْفَاجِرِ)). ورويت في ذلكم أحاديث أخرى.

هذا وقد جاءت أحاديث أخرى مفادها: الإطلاق بأن موت الفجأة مكروه، منها ما جاء عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً أنه قال: (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ).

والجواب عنها بأنها إنْ صحت فإن موت الفجأة يكون مكروها لمن لم يكن مراقباً لله في أحواله، وأما من راقب الله واستعد للموت في جميع أحواله فإن موت الفجأة بالنسبة له: راحة له من أهوال الموت وأحواله. (فتح الباري ج3 ص254).

قال القاضي عياض بعد ذكره للروايتين: (وَذَلِك لِأَنَّ الموت يأتي الْمُؤْمِن وهو غالباً مُسْتَعِد لَه مُنْتَظِر لِحُلُولِه، فَهَان أَمْرُه عَلَيْه كَيْفَمَا جاء، وَأَفْضى إِلَى راحَته من نَصَب الدُّنْيَا وأَذاهَا، كَمَا قَال عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مُسْتَريحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»، وتأْتِي الكافِر وَالفَاجِر مَنِيَّتُه عَلَى غَيْر اسْتِعْدَاد وَلَا أُهْبَة، وَلَا مُقَدِّمات مُنْذِرَة مُزْعِجَة { بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} فكان المَوْت أشد شيء عَلَيْه وفِراق الدُّنْيَا أفْظَع أمْر صَدَمَه وأكْرَه شيء لَه. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أشَار عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِه: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ»). انتهى كلامه عليه رحمة الله (الشفا).

هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وسلم.

 

الخطبة الثانية:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، فإنكم إنِ اتقيتموه وقاكم، وتالله إنْ وقاكم فحسبكم به وكفاكم، عباد الله إن مما جاء به الشرع وحسمه أن الصدقات تعطى لأهلها، ولا تعطى للأغنياء ولا للقادرين على التكسب والعمل، وإن مما دل على ذلكم ما ثبت عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أنه قال: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ: أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ ، فَسَأَلَاهُ مِنْهَا ، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ ، وَخَفَضَهُ ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ : ( إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا ، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ ). رواه أبو داود واللفظ له، ورواه النسائي، وأحمد وقواه.

فهذا الحديث فيه تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من مسألة هاذين الرجلين حتى ظهر التعجب على أفعاله حيث جعل ينظر إلى أعلاهما وأسفلهما لينظر هل فيهما علة توجب المسألة، كشلل وبتر أو غير ذلك من العلل ! فلما رآهما صلى الله عليه وسلم أشداء لا علة فيهما أخبرهما أن الصدقة لا تجوز للغني ولا للقوي القادر على التكسب.

فاتقوا الله عباد الله وتصدقوا على من تعرفون أنه مستحق للصدقة، استجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومنعاً لوصول الأموال إلى أعداء الإسلام وأهله، ومنعاً لمن اتخذ المسألة مهنة ووظيفة، إلى غير ذلكم من الحكم التي اقتضت هذه الأوامر في النصوص الشرعية. إذا أردتم التوكيل على صدقاتكم فوكلوا عليها من تثقون بأمانته ودينه، ولا ترسلوها لكل أحد بحجة أنه يعمل في جمعية خيرية أو في مركز خيري.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ربنا أصلح قلوبنا وثبتها على دينك، ربنا أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ورزقا طيبا مباركا واسعا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق وسيء الأخلاق، اللهم إنا نعوذ بك من قلوب لا تخشع ومن علوم لا تنفع ومن نفوس لا تشبع ومن دعوات لا تسمع اللهم إنا نسألك العفو والعافية اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وجميع المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد والحمد لله رب العالمين.

 روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:

بصيغة pdf:

https://t.me/WWWAW/1049

 word:

https://t.me/WWWAW/1048

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)