خطبة الجمعة ( الاستشفاء بالقرآن ) الخطبة الثانية: ( بيان حرمة التدخين والزجر عنه)
خطبة الجمعة ( الاستشفاء بالقرآن ) الخطبة الثانية: ( بيان حرمة التدخين والزجر
عنه)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن
خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (الإسراء 82) فأخبر تعالى أن من القرآن
ما يكون: {شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: يُذْهِبُ مَا فِي
الْقُلُوبِ مِنْ أَمْرَاضٍ، مِنْ شَكٍّ وَنِفَاقٍ، وَشِرْكٍ وَزَيْغٍ وَمَيْلٍ،
فَالْقُرْآنُ يَشْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ أَيْضًا رَحْمَةٌ يَحْصُلُ
فِيهَا الْإِيمَانُ وَالْحِكْمَةُ وَطَلَبُ الْخَيْرِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ،
وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ، فَإِنَّهُ
يَكُونُ شِفَاءً فِي حَقِّهِ وَرَحْمَةً. وَأَمَّا الْكَافِرُ الظَّالِمُ نَفْسَهُ
بِذَلِكَ، فَلَا يَزِيدُهُ سَمَاعُهُ الْقُرْآنَ إِلَّا بُعْدًا وَتَكْذِيبًا
وَكُفْرًا. وَالْآفَةُ مِنَ الْكَافِرِ لَا مِنَ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَكَانٍ
بَعِيدٍ}
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس 57 -
58)
وقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا
أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (فصلت 44)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي
الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ
أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا). رواه
البخاري (5735). والمعوذات هن: سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، وروى مسلم
(2192) عنها رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ
بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ
أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ
بَرَكَةً مِنْ يَدِي.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ
نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي
سَفَرٍ ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ
يُضَيِّفُوهُمْ ، فَقَالُوا لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ
الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ ! فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : نَعَمْ . فَأَتَاهُ
فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ الرَّجُلُ). متفق عليه واللفظ لمسلم.
وقد صح الأثر عن ابن مسعود: (عَلَيْكُمْ
بِالشِّفَاءَيْنِ: الْقُرْآنِ ، وَالْعَسَلِ). رواه ابن أبي شيبة والحاكم (7530).
وإن من هجر القرآن: ترك الاستشفاء به، فاستشفوا به عباد الله فإنه كلام الله،
هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا
بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
أما بعد:
فقد قال
تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة
195) وقد حدّث جمع من الصحابة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ). رواه مالك وابن ماجة
والدارقطني في سننه والحاكم وغيرهم.
فهذه النصوص الشرعية يندرج تحتها كل ما يضر
ويهلك من الأمور، وإن مما يضر: شرب الدخان، إن هذا الفعل له آثار على الفرد
والمجتمع، آثار دينية وصحية واقتصادية، يطول ذكرها كلها، عباد الله اعلموا رحمكم
الله أن استعمال الدخان يضر بالدين والمروءة والعرض والمال والبدن، أما ضرره
بالدين فإنه يحصل به التكاسل والغفلة عن ذكر الله ومراقبته وذكر الموت والتفكر في
آيات الله، بل ربما كَسَّل عن الإتيان إلى الجمعة والجماعة، وباستعماله تحقيق
التشبه بالكفار إذ أنهم هم أول من شربه وتعاطاه بيعاً وشرباً، لأن حدوثه كان بعد
الألف من الهجرة، وخروجه أولاً في أرض المجوس والنصارى واليهود، وأما أضراره
بالعرض والمروءة فلأنّ فيه التشبه بالفسقة والأنذال لأنهم غالباً يستعملونه، ولا
ريب أنه قادح في العدالة فيتحقق إضراره بالمروءة، وأما إضراره بالمال فلأنّ من
يتعاطاه يصرف فيه أموالاً كثيرة في غير ما أبيح له صرفه فيه، وقد صرح العلماء بأن
إتلاف المال وتضييعه ولو يسيراً لغير غرض شرعي حرام، وعُدَّ متلفه من المبذرين،
وقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء 27)، وإن من أضراره أنه اليوم
يُشترى من دول الكفر بالأموال التي جعلها الله قياما، فأصبحت هذه الدول تحارب
الإسلام وأهله ببعض أموالهم!، وأما ضرره بالبدن فقد صرح الأطباء وجزموا بأن شرب الدخان
مضر للجسد، وخاصة الرئتين، وقالوا بأنه مسبب للسرطان، وغير ذلك من الأمراض التي
يطول ذكرها.
وَقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَّا مَا لَا يَرِيبُكَ).
فاتقوا الله
أيها المدخنون في أنفسكم واتقوا الله فينا وفي أموالكم وبلدانكم، اتقوا الله ولا
يغرنكم إمهاله، وقد قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ
يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيرًا} (النساء 123)
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء
وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من قلوب لا تخشع ومن علوم لا تنفع
ومن نفوس لا تشبع ومن دعوات لا تسمع اللهم ربنا أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين،
اللهم ارزقنا حسن عبادتك اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ورزقا طيبا
مباركا واسعا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم إنا نعوذ بك من
النفاق والشقاق وسيء الأخلاق، اللهم إنا نسألك العفو والعافية اللهم آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وجميع المسلمين، اللهم اغفر لنا
ولوالدينا وجميع المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل
محمد والحمد لله رب العالمين.
روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:
بصيغة pdf:
word:
تعليقات
إرسال تعليق