خطبة الجمعة (بيان أن الْمَرء مَعَ مَنْ أَحَبَّ، وبيان الميزان في حب الله وأوليائه)
خطبة الجمعة (بيان أن الْمَرء
مَعَ مَنْ أَحَبَّ، وبيان الميزان في حب الله وأوليائه)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن
خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فقد قال
الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}
(آل عمران 165)
وقال
تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة 71) روي
عَن ابْن عَبَّاس في قوله {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض}
قَالَ: إخاؤهم فِي الله يتحابون بِجلَال الله وَالْولَايَة لله.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَال : (وَمَا أَعْدَدْتَ
لِلسَّاعَةِ)؟ قَالَ : حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: (فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ
أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ
مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ
أَحْبَبْتَ . قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَأَبَا بَكْرٍ
وَعُمَرَ ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ
بِأَعْمَالِهِمْ. متفق عليه واللفظ لمسلم.
ولذلك
روي عن بِشْر بْن الْحَارِثِ الحافي أنه كان يَقُولُ: «مَا أَنَا بِشَيْءٍ مِنْ
عَمَلِي أَوْثَقُ بِهِ مِنِّي بِحُبِّي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ».
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ
أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ). متفق
عليه. وجاء هذا الحديث أيضا من حديث أبي موسى رضي الله عنه، متفق عليه.
عباد
الله إن في هذا الحديث العظيم: بشارة ونذارة، بشارة للمؤمن المحب لله والمحب لأوليائه
في الله، ونذارة لمن أحب أحداً لغير الله، إذ أن من أحب أحداً فإنه يكون معه، فمن
أحب أحداً مخالفاً للشريعة كان معه، والعياذ بالله.
ولذلك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فَمَنْ أَحَبَّ شَيْخًا مُخَالِفًا
لِلشَّرِيعَةِ كَانَ مَعَهُ؛ فَإِذَا دَخَلَ الشَّيْخُ النَّارَ كَانَ مَعَهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّيُوخَ الْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَهْلُ
الضَّلَالِ وَالْجَهَالَةِ فَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ كَانَ مَصِيرُهُ مَصِيرَ أَهْلِ
الضَّلَالِ وَالْجَهَالَةِ). (مجموع الفتاوى ج11 ص519).
هذا وقد ثبت عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: (كُنَّا جُلُوسًا
عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَيُّ عُرَى
الْإِسْلَامِ أَوْثَقُ ؟ قَالُوا : الصَّلَاةُ . قَالَ : حَسَنَةٌ ، وَمَا هِيَ
بِهَا . قَالُوا : الزَّكَاةُ . قَالَ : حَسَنَةٌ ، وَمَا هِيَ بِهَا . قَالُوا :
صِيَامُ رَمَضَانَ . قَالَ : حَسَنٌ ، وَمَا هُوَ بِهِ . قَالُوا : الْحَجُّ .
قَالَ : حَسَنٌ ، وَمَا هُوَ بِهِ . قَالُوا : الْجِهَادُ . قَالَ : حَسَنٌ ،
وَمَا هُوَ بِهِ . قَالَ: إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ
وَتُبْغِضَ فِي اللهِ ). رواه أحمد (18821) وحسنه الألباني. وقد جاء
معناه في أحاديث أخرى. هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
الخطبة الثانية:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة
ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فقد قال تعالى: {قُلْ إِنْ
كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران 31) عباد الله، إن هذه
الآية هي الميزان الحقيقي لمحبة الله، فمن ادعى حب الله وأوليائه وشرعه، فليعرض
نفسه على هذه الآية، فإن حققها، فقد صدقت دعواه، وإن لم تنطبق عليه، فإنه حينئذ
سالك طريق الهاوية، فلْيرجع ولْيتدارك قبل حصول الكارثة. قال البخاري عند تبويبه
لحديث: ( الْمَرْء مَعَ مَنْ أَحَبَّ ): (بَابُ عَلَامَةِ حُبِّ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللهُ }. انتهى كلامه رحمه الله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ : ادَّعَى قَوْمٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
الْآيَةَ، فَمَحَبَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ تَقْتَضِي
فِعْلَ مَحْبُوبَاتِهِ وَتَرْكَ مَكْرُوهَاتِهِ وَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي
هَذَا تَفَاضُلًا عَظِيمًا فَمَنْ كَانَ أَعْظَمَ نَصِيبًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ
أَعْظَمَ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأَمَّا مَنْ أَحَبَّ شَخْصًا لِهَوَاهُ مِثْلَ
أَنْ يُحِبَّهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا مِنْهُ أَوْ لِحَاجَةِ يَقُومُ لَهُ بِهَا
أَوْ لِمَالِ يتأكله بِهِ أَوْ بِعَصَبِيَّةٍ فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ
الْأَشْيَاءِ فَهَذِهِ لَيْسَتْ مَحَبَّةً لِلَّهِ بَلْ هَذِهِ مَحَبَّةٌ لِهَوَى
النَّفْسِ وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ الَّتِي تُوقِعُ أَصْحَابَهَا فِي الْكُفْرِ
وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ . وَمَا أَكْثَرُ مَنْ يَدَّعِي حُبَّ مَشَايِخَ
لِلَّهِ وَلَوْ كَانَ يُحِبُّهُمْ لِلَّهِ لَأَطَاعَ اللَّهَ الَّذِي أَحَبَّهُمْ
لِأَجْلِهِ فَإِنَّ الْمَحْبُوبَ لِأَجْلِ غَيْرِهِ تَكُونُ مَحَبَّتُهُ تَابِعَةً
لِمَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَكَيْفَ يُحِبُّ شَخْصًا لِلَّهِ مَنْ لَا يَكُونُ
مُحِبًّا لِلَّهِ ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ مُحِبًّا لِلَّهِ مَنْ يَكُونُ مُعْرِضًا
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَبِيلِ اللَّهِ ؟
وَمَا أَكْثَرُ مَنْ يُحِبُّ شُيُوخًا أَوْ مُلُوكًا وَغَيْرَهُمْ فَيَتَّخِذُهُمْ
أَنْدَادًا يُحِبُّهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ
وَالْمَحَبَّةِ مَعَ اللَّهِ ظَاهِرٌ فَأَهْلُ الشِّرْكِ يَتَّخِذُونَ أَنْدَادًا
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
وَأَهْلُ الْإِيمَانِ يُحِبُّونَ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ أَصْلُ
حُبِّهِمْ هُوَ حُبُّ اللَّهِ وَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَحَبَّ مَنْ يُحِبُّهُ
اللَّهُ وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّ اللَّهَ فَمَحْبُوبُ الْمَحْبُوبِ
مَحْبُوبٌ لِلَّهِ، يُحِبُّ اللَّهَ فَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَحَبَّهُ اللَّهُ
فَيُحِبُّ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ). (مجموع الفتاوى ج18 ص315).
عباد
الله، الناس في عقيدة أهل السنة والجماعة، بحسب الحب والبغض والولاء والبراء؛
ثلاثة أصناف: الأول: من يُحَب جملة، وهو من آمن بالله ورسوله، وقام بوظائف الإسلام
ومبانيه العظام علماً وعملاً واعتقاداً، وأخلص أعماله وأفعاله وأقواله لله، وانقاد
لأوامره وانتهى عما نهى الله عنه، وأحب في الله، ووالى في الله وأبغض في الله،
وعادى في الله، وقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد كائناً من
كان.
الثاني:
من يُحَب من وجه ويبغض من وجه، فهو المسلم الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً،
فيُحَب ويُوالى على قدر ما معه من الخير، ويُبغَض ويُعادى على قدر ما معه من الشر.
الثالث:
من يبغض جملة وهو من كفر بالله.
اللهم
ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، اللهم ربنا أدخلنا برحمتك في
عبادك الصالحين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم ارزقنا علما نافعا
وعملا صالحا متقبلا ورزقا طيبا مباركا واسعا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف
والغنى اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق وسيء الأخلاق، اللهم إنا نسألك العفو
والعافية والمعافاة اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وجميع المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد والحمد لله رب العالمين.
روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:
بصيغة pdf:
word:
تعليقات
إرسال تعليق