الرد على من أوجب على الأئمة القراءة في الصلوات بصفة واحدة، وبيان السنة في القراءة في الصلوات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد فوجئت ببعض إخواني من أهل العلم يقول: (يجب على الإمام أن يصلي بالناس في صلاة الفجر في الركعة الواحدة بصفحة من المصحف على الأقل، وأن لا يقرأ بأقل من صفحة! مستدلاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة التكوير، وهي صفحة واحدة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أقل من ذلك!، ويجب على الإمام أن يقرأ في الظهر والعصر والعشاء بقدر سورة الأعلى، ولا يصلي بهم أقل من ذلك، إلا للضرورة)، هكذا قال!، فتعجبت من ذلك لأنه أوجب على الأئمة ما لم يوجبه عليهم الشرع، وأوجب عليهم خلاف المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيحين عَنْ أَبِي قَتَادَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ ). رواه البخاري (776) ومسلم (451) واللفظ للبخاري.
فالإمام الذي يطبق هذا الحديث أحياناً، يكون مخالفاً للسنة على رأي هذا الأخ!، وهذا باطل بلا ريب، لأن الإمام إذا قرأ بصفحة في الركعة الأولى من صلاة الفجر ثم قرأ في الركعة الثاني بأقل من صفحة يكون قد وافق هذا الحديث وهذه السنة، فكيف يكون مخالفاً للسنة؟!.
وهكذا قس على صلاة الظهر والعصر، إذا قرأ الإمام في الركعة الأولى بسورة الأعلى مثلاً، وقرأ في الركعة الثانية بسورة الضحى مثلاً فهو قد وافق هذه السنة ولم يخالفها، فتنبه يرحمك الله، واستيقن بأنه مخطيء لم يقرأ السنة بفهم، هدانا الله وإياه.
هذا وقد ثبت في صحيح مسلم (456) وفي غيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر بسورة التكوير، وهي صفحة واحدة، وإن من الاحتمالات الواردة على هذا الحديث، أنه عليه الصلاة والسلام قرأ بهذه السورة في الركعتين، بحيث نصفها نصفين، فيكون قدر القراءة في كل ركعة: نصف وجه، فكيف يقال بوجوب القراءة بصفحة واحدة في الركعة الواحدة؟!
وأما صلاة العشاء فقد ورد في السنة أقل مما ذكر الأخ، فقد روى البزار في مسنده (4411، ج10 ص296)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى }، { وَالضُّحَى }.
وهذا الحديث صححه الحافظ مغلطاي، في كتابه (الإعلام بسنته عليه الصلاة والسلام بشرح سنن ابن ماجة الإمام 5 / 205)، وبدر الدين العيني، في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 6 / 23)
ويشهد لهذا الحديث ما رواه ابن حبان في صحيحه (1839، 1840)، فقال: (ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِغَيْرِ مَا وَصَفْنَا مِنَ السُّوَرِ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ قَالَ : حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } [5/148] وَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } { وَالضُّحَى } وَنَحْوَهَا مِنَ السُّوَرِ .
ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو الزُّبَيْرِ.
أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ ، سَمِعَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، قَالَ : كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ ، فَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَرَجَعَ مُعَاذٌ فَأَمَّهُمْ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، انْحَرَفَ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّى وَحْدَهُ ، فَقَالُوا : نَافَقْتَ ، قَالَ : لَا ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَأُخْبِرَنَّهُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ مُعَاذًا يُصَلِّي مَعَكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ [5/149] فَيَؤُمُّنَا ، وَإِنَّكَ أَخَّرْتَ الصَّلَاةَ الْبَارِحَةَ ، فَجَاءَ فَأَمَّنَا ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَإِنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُ ، فَصَلَّيْتُ وَحْدِي يَا رَسُولَ اللهِ ، وَإِنَّا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ ، وَإِنَّا نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُعَاذُ ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ ؟ اقْرَأْ بِهِمْ سُورَةَ { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } وَ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } ). انتهى كلام ابن حبان.
ويشهد له أيضاً ما ذكره الترمذي في جامعه (315)، فقال: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخُزَاعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ). وَفِي الْبَابِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ . حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ .
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِسُوَرٍ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ نَحْوِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ وَأَشْبَاهِهَا .
وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَرَأُوا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَأَقَلَّ ، كَأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ وَاسِعٌ فِي هَذَا .
وَأَحْسَنُ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَرَأَ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ .
وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ). انتهى كلام الترمذي. قلت: والحديث الأخير الذي ذكره الترمذي متفق عليه أيضاً، إلا أنه جاء في بعض روايات الصحيحين زيادة: (في سفر).
علماً بأن سورة الضحى هي من أوساط المفصل وهي آخرها، وليست من قصار المفصل، فكيف يكون من يقرأ بها في صلاة العشاء مخالفاً للسنة؟!. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ في العشاء من وسط المفصل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ ، لِإِمَامٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ . قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ : فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ ، فَكَانَ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ مِنْ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ ، وَيَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ . رواه أحمد وغيره وصححه جمع.
قال بدر الدين العيني: ( قَوْله: "سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى والشمْسِ وضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَي"، فِيهِ دَلِيل على أَن أوساط الْمفصل إِلَى: وَالضُّحَى، لِأَن هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْعشَاء، وَالسّنة فِيهَا الْقِرَاءَة من أوساط الْمفصل لَا من قصاره، ثمَّ ذكر هَذِه السُّور الثَّلَاث لَيْسَ للتخصيص بِعَينهَا، لِأَن المُرَاد هَذِه الثَّلَاث أَو نَحْوهَا من الْقصار، كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات لفظ: وَنَحْوهَا). (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 5 / 243).
تنبيه وتأكيد: هذا المقال في الرد على من أوجب على الأئمة القراءة بصفحة من المصحف في صلاة الفجر في الركعة الواحدة، هكذا قال في الركعة الواحدة، وأوجب عليهم أيضاً أن يقرأوا في صلاة الظهر والعصر والعشاء قدر سورة الأعلى، وأن لا ينقصوا عن هذا القدر إلا للضرورة، هكذا قال، واتضح بهذا البحث السريع مني بطلان قوله بالكلية، وأنا لم أكتب هذا البحث إلا لأني أعلم عن هذا الأخ أنه يدعوا الناس إلى ما يعتقده، فوجب حينئذ الرد العلني عليه، هداني الله وإياه لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ووفقنا لما يحبه تعالى ويرضاه، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة والكرم جدير، وصلى الله على محمد وآله وإخوانه، وسلم.
فائدة: الإمام ملزوم شرعاً بالتخفيف المنضبط بالسنة، وقد جاء في ذلكم عدة أحاديث، منها: ما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ . فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ ). متفق عليه، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي). رواه البخاري (631)، ولكن الأمر الذي يُستغرب ويُستنكر، وخاصة في هذا الزمان هو: أن يجمد الإنسان على صفة معينة في جميع الصلوات، مثل الذي لا يقرأ إلا بقصار السور فقط، فهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمد ويثبت على صفة واحدة معينة، وإنما كان عليه الصلاة والسلام ينوع، ويُسمع الناس القرآن بتلاوة حسنة مرتلة، وبسط ذلكم في كتب الصلاة وكتب السنة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، لا هدي فلان وعلان.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابن خزيمة في صحيحه (520) بعدما أورد شيئا من أحاديث القراءة في الصلاة: (هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاحِ، جَائِزٌ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا الَّتِي يُزَادُ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيهَا بِمَا أَحَبَّ ، وَشَيْئًا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ ، لَيْسَ بِمَحْظُورٍ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا شَاءَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَامًا فَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْقِرَاءَةِ ، وَلَا يُطَوِّلَ بِالنَّاسِ فِي الْقِرَاءَةِ فَيَفْتِنَهُمْ كَمَا قَالَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : " أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا " ؟ ، وَكَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَئِمَّةَ أَنْ يُخَفِّفُوا الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : " مَنْ أَمَّ مِنْكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ " .
وَسَأُخَرِّجُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ أَوْ بَعْضَهَا فِي كِتَابِ الْإِمَامَةِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ مَوْضِعُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ ). انتهى كلامه.
فإن قلت: فما توجيه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ج28 ص360) وهو قوله: (وَعَلَى إمَامِ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ فَلَا يَفُوتُهُمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ مِنْ كَمَالِ دِينِهِمْ ؛ بَلْ عَلَى كُلِّ إمَامٍ لِلصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةً كَامِلَةً وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ إلَّا لِعُذْرِ) ؟
فالجواب: أن شيخ الإسلام أراد بيان الكيفية الشرعية للإمامة في الصلاة كلها، فهو ككلام غيره من أهل العلم الذين أوضحوا طريقة الإمامة في الصلاة، فلا حجة في ذلك على ما ذكر هذا الأخ من وجوب القراءة بالصفة التي ذكرها، ولم يوجبها الشرع، والله المستعان الموفق أعلم.
هذا وقد قال تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ }
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ). متفق عليه.
والحمد لله رب العالمين
وكتب
عبد الله بن سعيد بن هليل الشمري
2 ذي القعدة 1442
تعليقات
إرسال تعليق