بيان السنة في مدة خطبة وصلاة الجمعة
بيان السنة في مدة خطبة وصلاة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الله سبحانه أكمل لنا دينه وحفظه، ومن ذلكم أنه شرع خطبة الجمعة لمصالح الدين والدنيا، وإن مضمون ومدة الخطبة مبنية على ذلكم، وإنه بعد معرفة حال النبي صلى الله عليه وسلم يستبين ويتضح ذلكم، فمما جاء في بيان مدة الخطبة ما ثبت
عن أبي وَائِلٍ شقيق بن سلمة أنه قال: خَطَبَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ. فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ !. فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ. فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ. وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا). رواه مسلم (869). وفي روايةٍ رواها الدارمي أنه قال: ( فَأَطِيلُوا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَقْصِرُوا هَذِهِ الْخُطَبَ ).
ومعنى الحديث: أطيلوا صلاة الجمعة، وَاقْصُرُوا خطب الجمعة. وقوله (مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ) أي: علامة يتحقّق بها فقهه، أو علامة يستدل بها على فقهه.
والأمر بإطالة الصلاة في هذا الحديث لا يتعارض مع حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، الذي قَالَ فيه: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا. وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا. رواه مسلم (866). وذلك لأن الصلاة تكون طويلةً بالنسبة إلى الخطبة، لا تطويلاً يَشُقّ على المأمومين، وهي حينئذ قَصْدٌ؛ أي: معتدلة، والخطبة قصدٌ، بالنسبة إلى وضعها. فتبيَّن بذلك أن الطول نسبي، وأن الاعتدال الذي هو التوسط مطلوبٌ.
وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقْصَارِ الْخُطَبِ. رواه أبو داود والحاكم وغيرهما بإسناد صحيح. فدلت هذه الأحاديث على الأمر بتقصير الخطبة من غير إخلال بتبليغ شرع الله كما يجب، ودلت أيضا على أنه يحسن بالخطيب أن يختار الألفاظ القصيرة من حيث المبنى لكن الكثيرة من حيث المعنى.
هذا وقد جاءت أحاديث أخرى تبيّن جواز إطالة الخطبة أحياناً إذا اقتضت المصلحة ذلك، منها ما ثبت عن أبي زَيْدٍ عَمْرو بْن أَخْطَبَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا، حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا، حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ، وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا). رواه مسلم (2892).
تعليقات
إرسال تعليق