خطبة الجمعة (فضل وقت البُكُور)
خطبة الجمعة (فضل وقت البُكُور)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن
خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فقد قال الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا} (الأحزاب 42) وقال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً} (الإنسان 25)
وَقَوْلُهُ: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أَيْ:
أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ.
عباد الله، إن أعظم رأس مال الإنسان: عُمُره،
وله في هذا العمر محطات، هي من أنفس الأوقات، منها ما يتكرر كل عام، كليلة القدر،
وعشر ذي الحجة، ومنها: ما يتكرر كل يوم، وهو: وقت البكور، وهو: أول النهار، فهذا
الوقت من أعظم الأوقات وأفضلها، قد جاء الشرع ببيان فضله وبركته، فقد جاء عن جمع
من الصحابة أنهم قالوا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ
بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا)، وفي رواية أخرى قال: (بُورِكَ
لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا).
قال الحافظ ابن حجر: (أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ
السّنَن وَصَححهُ ابن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، وَقَدِ
اعْتَنَى بَعْضُ الْحُفَّاظِ بِجَمْعِ طُرُقِهِ فَبَلَغَ عَدَدُ مَنْ جَاءَ عَنْهُ
مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوَ الْعشْرين نفساً). (فتح الباري ج6 ص114).
عباد الله، إنه لو لم يرد في فضل وقت البكور
إلا هذا الحديث لكفى، ولكان حري بالعاقل أن يعتني بهذا الوقت أشد العناية، وأن
يستغله بطاعة الله وذكره، وما ينفعه في دنياه وأخراه، كيف لا يا عباد الله وقد دعا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهَ بأن يبارك لأمته في هذا
الوقت؟!، والبُكرة من جملة العمر الذي لا تزول قدما عبدٍ يومَ القيامة حتي يُسأل
عنه فيما أفناه، كما ثبت في الحديث، والمسلم الفطن حريص على عمره، ضنين بوقته أنْ
يضيع، فإن خسارته من أعظم الخسران، إذا فات لم يكن لتداركه سبيل، لا سيما الوقت
الذي دعا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته بحلول البركة لهم فيه،
فهو موضع البركة، وسبب الرزق، وطريق النجاح، فإن للبدايات أثر كبير على النهايات، وكلما
كانت البداية موفقة كانت النهاية مسدّدة، ولاشك أن بداية اليوم هو أول النهار.
أيها المسلمون: وقت البكور سرٌ في النجاح
والفلاح، وزيادة الإنتاج، وقوة الحفظ، وجودة الفهم، وحسن الخلق، ومن أعظم أسباب
الصحة، واستغلاله من أعظم أسباب رفعة الدرجات، وعلو المنزلة الدينية والدنيوية،
ولم تزل العناية بصدر النهار من عادة المسلمين التي ورثوها عن السابقين، أهل المجد
والفضل.
فعَنْ صَخْرِ بْنِ وَدَاعَةَ الْغَامِدِيِّ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا). قَالَ : وَكَانَ إِذَا
بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ ، وَكَانَ صَخْرٌ
رَجُلًا تَاجِرًا ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ
، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. رواه أحمد وابن حبان وأهل السنن وغيرهم، وحسنه
الترمذي وصححه ابن حبان والألباني.
فوقت البكور وقت فاضل مبارك نافع لمن قصده، في
أمور دينه ودنياه.
هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا
بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
أما بعد:
فيا عباد الله، لقد سطّر السلف الصالح أعظم
الأمثلة الحسنة في هذا الوقت المبارك،
روى الإمام مسلم في صحيحه (670) بإسناده عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا.
ولم يقتصر عليه الصلاة والسلام على الدلالة
عليه بفعله، بل رغَّب في ذلك أعظم ترغيب، فقال: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ
ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ).
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، كما
أخبر صَخْرُ بْنُ وَدَاعَةَ الْغَامِدِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الحديث
المتقدم، فهذا إمام السلف الصالح وقدوتهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يسطر أعظم الأمثلة في استغلال هذا الوقت بما ينفع.
وأما حال الصحابة مع هذا الوقت المبارك فهو
كحال قدوتهم وأسوتهم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما جاء عنهم
فيه لا تكفيه خطبة واحدة.
عباد الله، اعلموا رحمكم الله أن النوم في هذا
الوقت المبارك من غير ضرورة، مضر بالصحة. وقد قال الإمام العلامة طبيب القلوب
والأبدان، عليه من الله الرحمة والغفران: (وَأَرْدَأُ نَوْمِ النَّهَارِ، هُوَ
نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَرْدَأُ مِنْهُ النَّوْمُ آخِرَهُ بَعْدَ
الْعَصْرِ، وَنَوْمُ الصُّبْحَةِ يَمْنَعُ الرِّزْقَ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ
تَطْلُبُ فِيهِ الْخَلِيقَةُ أَرْزَاقَهَا، وَهُوَ وَقْتُ قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ،
فَنَوْمُهُ حِرْمَانٌ إِلَّا لِعَارِضٍ أَوْ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ مُضِرٌّ جِدًّا
بِالْبَدَنِ لِإِرْخَائِهِ الْبَدَنَ، وَإِفْسَادِهِ لِلْفَضَلَاتِ الَّتِي
يَنْبَغِي تَحْلِيلُهَا بِالرِّيَاضَةِ، فَيُحْدِثُ تَكَسُّرًا وَعِيًّا
وَضَعْفًا. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّبَرُّزِ وَالْحَرَكَةِ وَالرِّيَاضَةِ
وَإِشْغَالِ الْمَعِدَةِ بِشَيْءٍ، فَذَلِكَ الدَّاءُ الْعُضَالُ الْمُوَلِّدُ
لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْأَدْوَاءِ). (زاد المعاد)، و (الطب النبوي). انتهى كلامه رحمه
الله.
اللهم ارزقنا علوما نافعة وأعمالا صالحة
متقبلة وأرزاقاً طيبة مباركة واسعة، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق وسيء الأخلاق، اللهم إنا نسألك العفو
والعافية والمعافاة اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وجميع المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد والحمد لله رب العالمين.
بصيغة pdf:
word:
تعليقات
إرسال تعليق