خطبة الجمعة (مراد الشرع بظهور العلم وظهور الجهل في آخر الزمان) الخطبة الثانية (وجوب اتباع فهم السلف الصالح للكتاب والسنة)
خطبة الجمعة (مراد الشرع بظهور العلم وظهور الجهل في آخر الزمان) الخطبة الثانية: (وجوب اتباع فهم السلف الصالح
للكتاب والسنة)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فإن
خير الكلام كلام الله وخير الهدي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فقد جاء في عدة أحاديث ثابتة عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه أخبر أنّ منْ علامات الساعة: ظهور العلم، وجاء في أحاديث أخرى
أن من علاماتها ظهور الجهل، فلفظ: (ظهور الجهل) في الصحيحين وغيرهما، ولفظ:
(ظهور العلم) في خارج الصحيحين رواه النسائي (4468) وغيره، عَنْ عَمْرِو
بْنِ تَغْلِبَ. ورواه أحمد (24476) بلفظ: (ظهور القلم)، وقد بيّن أهل العلم
ذلك، وقالوا: إن المقصود بظهور العلم في آخر الزمان هو: تعلم الكتابة والقراءة،
بحيث تكون الأُمِّيَّة شبه معدومة، وبعض أهل العلم يقول: المقصود بظهور العلم: هو
انتشار العلم الدنيوي، وكلا الأمرين مشاهد اليوم!، فالأمية شبه معدومة، والعلوم
الدنيوية منتشرة اليوم انتشارا ليس له مثيل، وسهولة الحصول عليها لا نعلم لها مثيل
عبر العصور، بل حتى الكتب والفوائد الشرعية الحصول عليها من أسهل الأشياء، سواء
مكتوبةً أو مسموعةً أو مرئية.
والمراد بحديث (ظهور الجهل) في آخر الزمان: هو
الجهل بالدين وهو ميراث النبوة، وهو: علم الشريعة، فيظهر حينئذ الجهل بالدين ويقل
العلم الشرعي أو ينعدم.
فكشفتْ هذه الأحاديث عن أعلام من أعلام نبوة
نبينا صلى الله عليه وسلم، فسبحان الله العظيم.
قال الإمام الألباني عن لفظة: (ظهور العلم):
(وقد فسرها علي بن معبد بقوله: " يعني الكتاب " أي الكتابة. ففي الحديث
إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس القراءة
والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك، فتعلن أن نسبة
الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تُمحى! فالحديث عَلَم من أعلام نبوته صلى الله
عليه وسلم، بأبي هو وأمي. ولا يخالف ذلك - كما قد يتوهم البعض - ما صح عنه صلى
الله عليه وسلم في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويظهر الجهل لأن
المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم ويعبدونه حق عبادته، وليس
بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة اليوم، فإن كثيرا من الشعوب
الإسلامية فضلا عن غيرها، لم تستفد من تعلمها القراءة والكتابة على المناهج
العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية، إلا ما قل وندر، وذلك مما لا حكم
له. وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض
العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق
عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". رواه
الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو، وصدّقته عائشة). انتهى كلامه (السلسلة
الصحيحة 2767 بتصرف يسير) وقد أوضح رحمه الله أن لفظة (ظهور
العلم) ثابتة، وأنه يوضحها الرواية الأخرى: (ظهور القلم).
فإن ظهور القلم إنما يكون بسبب انتشار العلم
الدنيويّ، كما هو المشاهد الآن، ولا تنافي بينه وبين حديث أنس -رضي الله عنه-،
مرفوعًا: "إن منْ أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر،
ويظهر الزنا"، متّفقٌ عليه، فإن المراد به العلم الديني، فالناس جهلاء فِي
أمور دينهم؛ لبعدهم عنه، علماء بأمور دنياهم؛ لانهماكهم فِي حبّ الدنيا، وانشغالهم
بها. وأما ما قاله بعض أهل العلم: منْ أنّ معنى "يظهر العلم" يزول،
ويرتفع: أي يذهب العلم عن وجه الأرض، فبعيد عن لفظ الْحَدِيث، فاستيقنوا رحمكم
الله بأن كلا الحديثين صحيح، وأن لكل واحد منهما معنى، وقد تقدم بيانهما، وتذكروا
دائما بأن الواجب الشرعي هو أن نفهم الأحاديث على وفق فهم السلف الصالح، لئلا نضل
ونهلك، كما ضلت الطوائف الأخرى التي فهمت نصوص الكتاب والسنة على وفق فهمها هي،
فوقعت في الخطأ والمحذور، كالملاحدة وغيرهم.
وهذا الأمر، وهو فهم الكتاب والسنة على وفق
فهم السلف الصالح، هو الفيصل بين أهل السنة وأهل البدعة.
هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا
بَعْدُ: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قال: { وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيرًا} (النساء 115) فحذرنا تعالى من عدم اتباع طريق المؤمنين، وأخبرنا أن
ذلك يؤدي إلى طريق الهاوية، واعلموا رحمكم الله أن من سبيل المؤمنين أن نفهم
الكتاب والسنة على وفق ما أراده الله ورسوله وهو الذي فهمه الصحابة، لأن القرآن
نزل عليهم، كما قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ للخوارج الحرورية الذين خرجوا
على علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ،
وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَصِهْرِهِ ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ
مِنْكُمْ ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ) رواه النسائي في الكبرى والحاكم
في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي.
ومن الأدلة في وجوب اتباع فهم السلف للنصوص
الشرعية قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهْ} (الأنعام 90) وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة
100). ومن اتباعهم بإحسان: اتباع فهمهم للوحيين.
وعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً
بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ، فَقَالَ
قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا
تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ
وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى
اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا
بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ
بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ). رواه أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي
وغيرهم وصححه الترمذي والألباني.
فأمرنا عليه الصلاة والسلام باتباع سنته وسنة
الخلفاء الراشدين من بعده، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم. وحذرنا عليه
الصلاة والسلام من الفتن والاختلاف وسائر البدع.
اللهم وفقنا وولاة أمورنا للعمل بكتابك وسنة
نبيك على وفق فهم السلف الصالح، اللهم ارزقنا علوما نافعة وأعمالا صالحة متقبلة وأرزاقاً
طيبة مباركة واسعة، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم إنا نعوذ
بك من النفاق والشقاق وسيء الأخلاق، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وجميع المسلمين، اللهم
اغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على
محمد وعلى آل محمد والحمد لله رب العالمين.
بصيغة pdf:
https://t.me/WWWAW/1395
word:
https://t.me/WWWAW/1394
تعليقات
إرسال تعليق