خطبة الجمعة ( موعظة وتذكير وتوصية بالحق )


خطبة الجمعة ( موعظة وتذكير وتوصية بالحق )

الحمد لله مُبْدِي الحقائق ، ومُبْدِيء الخلائق ، ومُبْدِع السبع الطرائق ، ومُزيِّنها بالكواكب الشَّوَارِق ، أحمده على نعمه التوالي والسوابق ، حمداً يُطَبِّقُ ما بين المغارب والمشارق ، وأستعيذه كما أَمَرَ مِنْ شر كل حاسد وغاسق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمةً تملأُ فمَ كل ناطق ، وتُرغم أنفَ كل ملحد ومنافق ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصدوق الصادق ، بعثه إلى جميع الخلائق ، بأعدل السير والطرائق ، وأوثق العهود والمَواثق ، وأوضح البراهين والحقائق ، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يجاهد كل كافر ومارق ، ويحكم فيهم الهاذِم والبوارق ، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، حتى أذعنوا للحق منْ كل شاهق ، وعمَّ الإسلام الأباطح والأبارق ، وأصبح الكفر خافيَ الأعلامِ خافت الشقاشِق ، صلى الله عليه وعلى آله أهل الفضائل والسوابق ، ما لاح بارقٌ وذرّ شارق .

أيها الناس : اسلكوا جوادَّ الحقائق ، واتركوا بُنَيَّات الطرائق، ولا تغرنكم الدنيا بكواذب المَخَارِق ، فإنها كثيرةُ البوائق ، جَمَّة العوائق ، قاطعةٌ للأسباب والعلائق، تاركة لمن هام بها مفارق ، تُدير دوائرها بكل صامت وناطق ، كم أهلكت قبلكم من الخلائق ، وطَوَت من الفراعين والعَمَالق ، وطَوَّحت من القياصِر والبطارِق ، وطرَحَت العُصْم من أعلى الشَّواهق، وأسقطت من الجو كل خَرِق الجناح خافِق ، وكم ذي بسطة ومنظر فائق ، بعيد الصيت في جميع الخوافق ، قد شيَّد الحصون في كل حالِق ، وأَوصدَ الأبواب والمغالق ، وأَرصدَ الجيوش والفيالق ، مُغترَّاً بمساعدة دنياه واثق، فما راعَهُ وهو في غفلةٍ مِن عيشه الرَّائق ، حتى رمته بثالثة الأثافي وحالقة الحوالق، فطرقته صروفها بشرِّ طارق، وسقته حتوفُها كأساً لا يتمطَّق لها ذائق ، فأصبح ذا بصرٍ خاشع ونفس زاهق ، وفارَقَهُ رُوحُهُ فراقَ غير وامق ، وكَثُر حوله البواكي والحوالق ، وصرخت بداره النَّواعي والنواعق، وحيداً فريداً مِنْ كلِّ مؤنسٍ ومُفارِق ، رهيناً بما اكتسبت يداه وَخُطَّ في المَهَارِق (أي: الصحف)، قَطِينَاً لتلك الْحُفَرِ إلى يومِ تُبلى السرائرُ وتُعرضُ الخلائق ، فإما إلى جنة ذات بهجة وحدائق ، وأنهار دوافق ، وكواعب أترابٍ عواتق ، وسُرُرٍ وأكواب وأباريق ، وزرابيّ مبثوثة ونمارق ، ونعيم مسرمد متناسق ، وإما إلى نار ذات لهب وصواعق ، وحميم منتن غاسق ، وعذاب مُجَدَّد متلاحق ، ملتظية على كل كافر وفاسق ، جعلنا الله وإياكم مِمَّن سَعِدَ في قدره السابق ، ورزقنا عفوه ورُحماه فهو خير رازق ، إن أبلغ الوعظ وأنفع الرقائق: كلام المهيمن الخالق.

هّذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.

الخطبة الثانية: الحمدُ لله المعبود ، القريب بعلمه من العبيد ، العلام بخفيات السرائر وما تنطوي عليه الضمائر من عزم أو ترديد . الملك الحق الذي بيده الملك ليس له معين ولا نديد . وله الحكم يحكم في خلقه بما يريد . من ادعى لغيره أنه ينفع أو يضر فهو شيطان مريد . ومن جادل في توحيده سبحانه فهو في النار مع أبي جهل والوليد . قال تعالى مخاطباً الأنبياء والأولياء والسادة والعبيد { يا أيُّها الناسُ أنتمُ الفقراءُ إلى الله واللهُ هو الغنيُّ الحميد . إن يشأ يُذْهِبْكُمْ ويأتِ بِخَلْقٍ جديد ، وما ذلك على الله بعزيز } أحمده سبحانه وأشكره وأطلب بذلك من نعمه المزيد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الشديد . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قام لله في بطحاء مكة بنصرة التوحيد . ولم تأخذه في الله لومة لائم من قريب أو بعيد . فحفظه الله تعالى منهم بدرع العصمة لا بدرع الحديد . حتى ظهر توحيد الله في المشارق والمغارب على رَغْم الشرك العنيد . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه فاتحي الأقطار وسيوفهم كانت المقاليد . وسلم تسليما كثيراً ، أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى . ابن آدم اتق الله فإنما خُلقت في الدنيا للعبادة لا للتخليد . وأنت من ذلك في بحر الغفلة يا بليد . أفق فإن الساقط في هوة الهوى فقيد . فإن قدامك المقام العتيد ، والحساب الشديد ، والميزان الذي يطير بالحية فلا يحيد ، والكتاب الذي يطير فيصير قلادة في الجِيد ، والصراط الذي يقال مُرَّ عليه وهو أحَدُّ من الحديد ، وهو منصوب على جسر جهنم التي يقال لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد ، وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ، ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ، لقد كنتَ في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد . وقال قرينه هذا ما لديَّ عتيد ، ألقيا في جهنم كلّ كفار عنيد ، منّاع للخير معتد مريب ، الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد } إن أحسن الزواجر عن الذنوب ، وأصدع المواعظ للقلوب ، كلام الله علام الغيوب .

{ يا أيُّها الناسُ اتّقوا ربّكم إنَّ زلزلَةَ الساعةِ شيء عظيم . يوم تَرَوْنَها تَذْهُل كلُّ مرضعة عما أرضعت . وتَضَع كلُّ ذاتِ حملٍ حَمْلها ، وترى الناسَ سُكارى وما هم بسكارى ولكنَّ عذابَ الله شديد } .  اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عُلُوْمَاً نَافِعَةً وَأَعْمَالَاً صَالِحَةً مُتَقَبَّلَةً وَأَرْزَاقَاً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً وَاسِعَةً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ قُلُوْبٍ لَا تَخْشَعْ وَمِنْ عُلُوْمٍ لَا تَنْفَعْ وَمِنْ نُفُوْسٍ لَا تَشْبَعْ وَمِنْ دَعَوَاتٍ لَا تُسْمَعْ وَمِنْ عُيُوْنٍ لَا تَدْمَعْ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسَيِّءِ الْأَخْلَاقِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَوُلَاةَ أَمُوْرِنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدً لِله رَبِّ الْعِالَمِيْنَ.

تنبيه: الخطبة الأولى مقتبسة من خطب القاضي عياض اليحصبي السبتي (544 هجري) رحمه الله، والخطبة الثانية مقتبسة من خطب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، مع بعض التعديلات.


روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:

بصيغة pdf:

https://t.me/ALHLYL/718

 word:

https://t.me/ALHLYL/717

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيان أن الصحابة كانوا يقولون في تشهد الصلاة (السلام عليك أيها النبي) بصيغة المُخَاطَبة، في حياة النبي ﷺ، وبيان أنهم كانوا يقولون (السلام على النبي) بصيغة: الْغَيْبَةِ، بعد وفاة النبي ﷺ

حَدِيْثُ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ.

خطبة الجمعة (فضل العلم وأهله وفضل النفقة على أهله والحث على طلبه)