خطبة عيد الأضحى لعام 1443 هجري
خطبة عيد الأضحى لعام 1443 هجري
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] {يَاأَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا} [النساء: ١] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا
قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ –
٧١] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ، فيا
أيها المسلمون:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله
أكبر الله أكبر ولله الحمد، عباد الله: استمسكوا من دينكم
بالعروة الوثقى، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ} (البقرة 256) وعن العِرْباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى
اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا
بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ
بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ). رواه أهل السنن وصححه الألباني.
إنَّ من
أعظم وصايا السلف الصالح قولهم: (مهما كنت لاعباً بشيء فإيَّاك أن تلعب بدينك)
رأس مالك
الحقيقي: هو دينك، فإذا ذهب رأس مالك أفلست وتحقق حينها بوارك، والعياذ بالله من
جميع المهالك. هذا وقد قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا
ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ
الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (8 /
24) برقم: (3228) والنسائي في "الكبرى" (10 /
386) برقم: (11796) والترمذي في "جامعه" (4 / 185)
برقم: (2376) والدارمي في "مسنده" (3 /
1795) برقم: (2772) وأحمد في "مسنده" (6 /
3371) برقم: (16025) ، (6 / 3379) برقم: (16036) وابن أبي شيبة في "مصنفه"
(19 / 99) برقم: (35521) والطبراني في "الكبير" (19
/ 96) برقم: (189). ومعنى
الحديث: أن حب المال والجاه، مفسد للدين أشد الإفساد، لأنه يفضي إلى الحرص المذموم
والبخل والتكبر والطغيان والمباراة والمفاخرة، ونحو ذلك.
التوحيد
أساس الملة وأصل الدين، وحق الله على العبيد، ومفزع أوليائه وأعدائه، قال تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ
عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (النحل 36)
فاحيوا على التوحيد وموتوا عليه، وادعوا له، وكونوا مع أهله وأحبوهم،
وأبغضوا أعداءه ولا توالوهم، فالتوحيد والشرك ضدان لا يجتمعان.
السنة السنة تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد
وافهموها بفهم السلف الصالح، فإن أهل البدع لم يفهموا النصوص على وفق فهم السلف
الصالح فوقعوا في البدع، والزموا وصية نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ترغبوا
عنها، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَطَاعَنِي قَدْ أَطَاعَ اللهَ ، وَمَنْ
عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ). متفق عليه.
وعن أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أن رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي). متفق
عليه. ولذلك اعتنى العلماء سلفاً وخلفاً بالسنة، لأن الإسلام لا يعرف إلا بها، قال
تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } النحل: ٤٤
فهي وحي من الله، قال تعالى: {وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:
٣ – ٤] وما استحل الخوارج دماء المسلمين وأموالهم إلا
بتركهم السنة والعمل بمتشابه القرآن، وما ابتدع قوم بدعة إلا بتركهم السنة. فاعملوا
بالسنة وذبوا عن حياضها، وتمثلوا بها قولاً وعملاً واعتقاداً، فقد ترككم نبيكم على
مثل البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وقاعدة السلف هي: (إذا صح الحديث فهو مذهبي).
أيها الناس: الجماعة الجماعة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ } النساء: ٥٩ وكما في حديث حذيفة الطويل، قال عليه الصلاة والسلام
لحذيفة رضي الله عنه: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ
الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ
الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ). متفق عليه. معاشر المسلمين تأملوا فيمن
فرطوا في هذا الأصل ماذا حصل لهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار
أيها الناس: الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر شعيرة عظيمة من شعائر ديننا، فقوموا بها خير قيام، قال الله عز وجل: {كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: ١١٠) وقال النبي صلى
الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ
عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ). أخرجه
الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وحسنه الألباني.
فلا خير في أمة ضيعت هذه الشعيرة التي جعلها
الله عز وجل حصنا للفضائل، ودرعا عن الرذائل. أيها الناس: إن وسائل التواصل اليوم
أصبحت عالمية، ودخلت كل بيت، وفي طياتها الشر والخير، فطوبى لمن جعلها في الخير،
وحذر من خلالها عن الشر ونصح لنفسه وأهل بيته وللمسلمين، وبين لهم مخاطرها
وأضرارها.
عباد الله: علينا أن نستشعر أننا في أيام معظمة
ومفضلة عند الله، وهي أيام عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، هي
أيام اختصها الله بأنْ أقسم
بلياليها، ولا يقسم عز وجل إلا بعظيم، وجعل
أيامها أفضل أيام الدنيا، وأحبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإكثار
من العمل الصالح فيها، وفضلَّه
فيها على غيرها من الأيام، فَقَدْ قَالَ
اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَٱلْفَجْرِ . وَلَيالٍ عَشْرٍ } قال أكثر
المفسرين هي ليالي العشر الأُوَلِ من ذي الحجة، كما قال جابر بن عبد الله وابن
عباس وابن الزبير رضي الله عنهم. عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ
إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ
بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رواه الجماعة إلا
مسلماً والنسائي. في هذه الرواية قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ
فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ) وفي رواية أخرى قال: (أزكى وأعظم أجراً)
وفي أخرى قال: (أفضل) من هذه الأيام العشر. وعن جابر
رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((أفضل أيام
الدنيا العشر يعني عشر ذي الحجة ، قيل ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في
سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب)) صححه الألباني في صحيح الترغيب (١١٥٠).
عباد الله: يستحب في يوم العيد إظهار الفرح
والسرور، وتجوز التهنئة به، فأظهروا الفرح والسرور ولو كنتم مهمومين أو مكروبين، فهو
عيدنا أهل الإسلام، عيد وصل ورحمة وبركة ورفق وتجمل ومواساة وفسحة. وفيه كمال
الإسلام فقد قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لِتَعْلَمَ يَهُودُ
أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ"
رواه أحمد بإسناد صحيح. ولكن الحذر من التعدي والتجاوز إلى المعاصي، كسماع
الموسيقى، والاختلاط المحرم بين الرجال والنساء.
عباد الله: ومن أفضل الأعمال وأعظمها: ذبح
الأضحية، والأضحية واجبة على صاحب المنزل القادر على الراجح فَإِنَّهَا مِنْ
أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ النُّسُكُ الْعَامُّ فِي جَمِيعِ
الْأَمْصَارِ وَالنُّسُكُ مَقْرُونٌ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ صَلَاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَدْ قَالَ
تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فَأَمَرَ بِالنَّحْرِ كَمَا أَمَرَ
بِالصَّلَاةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا
لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
فَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} وَقَالَ:
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ
فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا
فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا
لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا
وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} وَهِيَ مِنْ مِلَّةِ
إبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ، وَبِهَا يُذْكَرُ قِصَّةُ
الذَّبِيحِ ...)) ((وَوُجُوبُهَا مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلًا
عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ. كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ
صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بِالشَّاةِ الواحدة عَنْ أَهْلِ بَيْتِه كلِّهم نِسَائِهِ
وَأَوْلَادِهِ وَمنْ مَعَهُمْ. كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَ)) ويكون
الذبح بعد صلاة العيد فإن ذبح أحد قبل صلاة العيد يلزمه الإعادة لقول النبي ﷺ: ((مَنْ
ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ
يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ)) متفق عليه. ولا يلزم المضحي أن يضحي في يوم النحر بل
يجوز له أن يضحي في أيام التشريق لقول النبي ﷺ : ((كل أيام التشريق ذبح))
عباد الله: اعلموا أنه لا تجزيء الأضحية التي
فيها أحد هذه العيوب الأربعة، وهي التي جاءت في الحديث عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حيث قال: (أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي
الضَّحَايَا –وفي رواية أَرْبَعٌ لَا يَجْزِينَ فِي الْأَضَاحِيِّ-: الْعَوْرَاءُ
الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ
الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي). فالأضحية التي فيها
أحد هذه العيوب لا تجزئ.
عباد الله كلما كانت الذبيحة أكمل كلما كانت
أفضل وآجر للعبد، انتقوا الذبيحة الحسنة الكاملة فإن هذا من تعظيم شعائر الله
تعالى، قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا
مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} قال ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
تَعْظِيمُهَا هو: اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا، وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ
بْنُ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ
بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسمِّنُون. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
ويسن لمن ذبح أضحية أن يقول: ((بسم الله والله
أكبر اللهم هذا عني)) إن كانت له، وإن كان موكلاً بالذبح يقول: ((بسم الله والله
أكبر اللهم هذا عن فلان)) ، واعلموا أنه لا يجوز أن يعطي الجزار من الأضحية شيئاً،
بما في ذلك: جلدها، لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك، كقول عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا
أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: ((نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ
عِنْدِنَا)) [رواه أبو داود]، ويسن للمضحي أن يقسم أضحيته إلى ثلاثة أقسام،
قسم يتصدق به وقسم يأكله وقسم يدخره أو يهديه، لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)) رواه مسلم
والأفضل للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه لأن
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحى وذبح بيده، فقد ثبت عَنْ جماعة من
الصحابة أنهم قَالوا: ((ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ -وفي رواية: (سمينين) وفي رواية أخرى: (ثمينين)-،
ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)).
والأفضل أيضاً أن يذبحها أمام أهله وأبنائه وأن يعلمهم أن هذا العملَ عبادةٌ
عظيمةٌ لله تعالى تقع كل عام في أعظم الأيام وهو يوم النحر ليكون ذلك أوقع في
نفوسهم وأبلغ، وفي ذلك أيضا تعليمهم عملياً كيفية الذبح الشرعي كما جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم. ثم اعلموا رحمكم الله أن صيام يوم العيد محرم كما جاء النهي
عن ذلك في السُنَّة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَوْمَ فِي يَوْمِ عِيدٍ»، وأيضاً
يحرم صيام باقي أيام العيد وهي أيام التشريق إلا لحاج لم يجد الهدي. فعَنْ
نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّه»
رواه مسلم. وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ، وابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
قَالَا: (لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ
لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ).
عباد الله: أكثروا من ذكر الله تعالى وتكبيره
وحمده في هذه الأيام العظيمة. قَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا
مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ
الْمُخْبِتِينَ} وَقَالَ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ
اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ
فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ
وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {لَنْ
يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى
مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ
وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّه».
اللهم اجعله عيداً سعيداً على أمة محمد صلى
الله عليه وسلم، وتقبل اللهم أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم أصلحنا وولاة
أمرنا ووفقنا وإياهم لما تحبه من القول والعمل واجعلنا وإياهم هداة مهتدين وارزقهم
البطانة الصالحة اللهم صل على محمد، وآله وسلم.
خطبة النساء:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله
أكبر الله أكبر ولله الحمد. معاشر النساء: ثبت عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ
فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى ، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ
النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ".
فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ
الْعَشِيرَ ، -وفي رواية: بِكَثْرَتِكُنَّ الشِّكَايَةَ- مَا رَأَيْتُ مِنْ
نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ".
قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ
شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟" قُلْنَ: بَلَى.
قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا ، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ
وَلَمْ تَصُمْ؟" قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا).
وثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ ، يَكْفُرْنَ
. قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ
الْإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ
شَيْئًا ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ . متفق عليه.
فاتقين الله في أنفسكن وبناتكن واحذرن ما يراد
بكن من الشر والسفور والفجور، فصبرا إماء الله على طاعة الله، اتقين الله في
لباسكن ولباسِ عيالكن، لا تتشبهن بالكفار، فإن التشبه بهم في ذلك كبيرة من كبائر
الذنوب، وذلك لتأثير اللباس السيء على اللابس وعلى مجتمعه، وإن مما يُلاحظ على بعض
ولاة الأمور أنهم لا يحجبون بناتهم بحجة أنهن صغيرات، وهن قد بلغن العاشرة وأكثر،
أما علم أولئك أن البنت قد تبلغ وهي في أقل من هذا العمر، وإذا بلغت فإنها صارت
مكلفة بما تكلف به النساء من التحجب والستر، فاتقوا الله فيهن، وفي مجتمعكم.
اللهم وفقنا وارزقنا العفو والعافية في الدنيا
والآخرة وصل اللهم على محمد والحمد لله رب العالمين.
روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:
بصيغة pdf:
word:
تعليقات
إرسال تعليق