بيان مشروعية تحريك الخطيب والمتحدث حَوَاسَّهُ لمصلحة شرعية
بيان مشروعية تحريك الخطيب والمتحدث: حَوَاسَّهُ لمصلحة شرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله وعلى من والاه أما بعد:
فإني سمعت من بعض الإخوان _حفظهم الله المنَّان_ استنكاراً لِمَنْ يُحَرِّكُ يده أو إصبعه أو أحد حواسه أثناء الحديث وأثناء الخطبة !!، فعزمت على كتابة هذا المقال السريع رداً عليهم، لتجاوزهم الحدود في ذلك، واستنكارهم لشيء مشروع بل ومحبوب، فأقول وبالله التوفيق وعليه المعوَّل، وبه أصول وأجول:
اعلم أخي رحمك الله أن حسن الأداء والخطاب مما ندبه واستحبه الشرع المعظَّم، خصوصاً أثناء الخطبة، وذلك اقتداء بالنبي الأسوة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخذ هذه الأحاديث لعلها تشفي غليلك، وترجعك إلى رشدك:
الحديث الأول: حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنه-، حين ذكر خطبة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرفة، أنه قال: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ : كِتَابُ اللهِ ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ ، وَأَدَّيْتَ ، وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ : اللَّهُمَّ اشْهَدِ ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ). الحديث، رواه مسلم (1218) وجماعة آخرون.
وقول الراوي: (فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ): مَعْنَاهُ يُقَلِّبُهَا وَيُرَدِّدُهَا إِلَى النَّاسِ مُشِيرًا إِلَيْهِمْ. هذا هو الشاهد من الحديث.
الحديث الثاني:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ ، وَعَلَا صَوْتُهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ. حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ. وَيَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ . فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ. وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ . وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا . وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ . ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ. مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ. وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ ). رواه مسلم (867) وجماعة آخرون.
والشاهد من هذا الحديث ظاهر جداً، وهو إشارته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، أثناء الخطبة.
وفي الحديث فائدة هامة، وهي أن الخطيب عليه أن يخطب بحضور قلبٍ وعلو صوتٍ وقوة في الأداء، وذلك كله لمصالح شرعية أرادها الشرع، ومنها: تأثر الناس بالخطبة، وشد انتباههم لها، ووعيهم لمحتواها.
الحديث الثالث: حديث ظاهر الدلالة على المراد، وهو من أقوى الأحاديث في الرد على الجهمية وغيرهم، وهو ما رواه أبو داود وغيره:
عَنْ أَبِي يُونُسَ سُلَيْمِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى { سَمِيعًا بَصِيرًا } قَالَ : (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ ). قَالَ ابْنُ يُونُسَ : قَالَ الْمُقْرِئُ : يَعْنِي : إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، يَعْنِي أَنَّ لِلهِ سَمْعًا وَبَصَرًا . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ .
رواه أبو داود (4728 ) والطبراني في الأوسط. وصححه ابن حجر والألباني.
الحديث الرابع:
حديث عجيب يتضح من خلاله اهتمام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانفعاله وعنايته بالدعوة إلى الله من خلال تحريك الجسم والحواس أثناء الكلام في الخطبة:
عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يَأْخُذُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ : أَنَا اللهُ ، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا ، أَنَا الْمَلِكُ ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ : أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ؟ ). متفق عليه واللفظ لمسلم (2788).
ولفظ أحمد (5482): (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ : { وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ وَيُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ بِهَا، يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ ، أَنَا الْجَبَّارُ ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ ، أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الْعَزِيزُ ، أَنَا الْكَرِيمُ ، فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا : لَيَخِرَّنَّ بِهِ).
الحديث الخامس:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ". وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا . متفق عليه.
الحديث السادس:
عَنْ أَبِي الضَّحَّاكِ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ ، مَوْلَى بَنِي شَيْبَانَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ ، وَقَالَ : أَرْبَعٌ، -وَكَانَ الْبَرَاءُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ : يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي . رواه مالك في موطأه (1757 ) وابن خزيمة وابن حبان والنسائي وجماعة آخرون.
الحديث السابع:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يَخْذُلُهُ ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ ، وَمَالُهُ ، وَعِرْضُهُ . رواه مسلم (2564)، وجماعة آخرون.
وكتب
عبد الله الهليل الشمري
17 ذي الحجة 1443
تعليقات
إرسال تعليق