خطبة الجمعة (بيان أن من الإيمان التطهر والتجمل وإماطة الأذى)
خطبة من إعداد:
عبد الله بن سعيد الهليل الشمري @ALHLYL
خطبة الجمعة (بيان أن من الإيمان التطهر والتجمل وإماطة الأذى)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا
عِبَادَ اللهِ إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ إِنَّ اللَّهَ يريد منا أن نكون طاهرين حسياً ومعنوياً، إِنَّ
اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، فاتقوا
الله وكونوا كما أمركم الله، فَقَدْ قَالَ
اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة 222) وَقَالَ
تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ
يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ} (المائدة 6)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ). فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ
الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً . فَقَالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ،
الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ). رواه مسلم (91)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ
بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ،
وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ
الْإِيمَانِ). رواه مسلم (35)
قَوْلُهُ (بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ
وَسِتُّونَ شُعْبَةً): الأظهر من أقوال أهل العلم في بيان عدد شعب الإيمان المذكور
في الحديث: أنّ هذا العدد هو للتكثير، ويكون ذكر البضع للترقي، يعني أن شُعب الإيمان
أعداد مبهمة، ولا نهاية لكثرتها؛ إذْ لو أُريد التحديد لم يُبهمه. والله أعلم.
ومن فوائد الحديث: الدلالة على ما أجمع عليه السلف
الصالح من أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ومعنى ذلك أنه قول القلب، وعمل القلب،
ثم قول اللسان، وعمل الجوارح.
عِبَادَ اللهِ إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ
الطَّرِيقِ مِنَ الْإِيمَانِ، مِنَ الْإِيمَانِ الذي شرعه الله وأحبه، ومعنى
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ
الطَّرِيقِ) أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ . وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى كُلُّ مَا
يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ.
عِبَادَ اللهِ: قد عرفتم بحمد الله شرع الله
ومراده في هذا الباب، فاحذروا أن تكونوا على الضد من ذلك، واحذروا من إلقاء النفايات
والقاذورات على الطريق، لا تكونوا سبباً في ضرر الناس، فإن الله يرقبكم ويمتحنكم،
وقد قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة 7 - 8).
هّذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيْلَ
لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيْمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا
بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ
الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ
مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ
فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ
اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة 105)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ
يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ
اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ). متفق عليه.
في هذا الحديث
عدة فوائد، منها:
بيان فضل إزالة
الأذى عن طريق الناس، وأن الشخص يؤجر على إماطة الأذى، وكل ما يؤذي الناس في الطريق.
ومنها: أن فيه دلالةً على أن من طرح الشوك في الطريق،
والحجارة، والكناسة،
والمياه المفسدة للطرق، وكل ما يؤذي الناس يُخشى
العقوبة عليه في
الدنيا والآخرة، ولا شك أن نَزْع الأذى عن الطريق من أعمال
البِرّ، وأن أعمال
البرّ تكفّر السيئات، وتوجب الغفران، ولا ينبغي للعاقل أن
يحقر شيئاً من أعمال
البرّ، أما ما كان من شجر فيقطعه، ويلقيه، وأما ما كان
موضوعاً على
أرض الطريق فيزيله أو ينحيه، والأصل في هذا كله قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، وإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شُعَب الإيمان.
ومنها: التنبيه
على فضيلة كل ما نفع المسلمين، وأزال عنهم ضرراً، وأن قليل الأجر من الأعمال قد يغفر
الله به كثير الذنوب. وإذا كان هذا فضل من أزال الأذى الحسي عن طريق الناس، فما
بالكم بفضل من أزال البدع والضلالات عن السائرين إلى الله !. والله واسع ذو فضل
عظيم.
ومنها: أن فيه إثبات
صفة الشكر لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على ما يليق بجلاله، فهي كسائر صفاته التي
أثبتتها النصوص الصحيحة، من الرضى، والرحمة، والقبول، والعجب، والمحبّة، وغير ذلك،
والله تعالى أعلم.
ومنها: ما قاله
ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- في الحديث: أن إماطة الأذى عن الطريق من أعمال البرّ،
وأنها توجب الغفران، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يحتقر شيئاً من أعمال البرّ، فربما
غُفر له بأقلّها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان بضع وسبعون شعبةً،
أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"،
وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، وقال
الشاعر:
وَمَتَى تَفْعَلِ الْكَثِيرَ مِنَ الْخَيْـ ...
رَ إِذَا كنْتَ تَارِكاً لِأَقَلِّهِ
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عُلُوْمَاً نَافِعَةً وَأَعْمَالَاً
صَالِحَةً مُتَقَبَّلَةً وَأَرْزَاقَاً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً وَاسِعَةً، اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ إِنَّا
نَعُوْذُ بِكَ مِنْ قُلُوْبٍ لَا تَخْشَعْ وَمِنْ عُلُوْمٍ لَا تَنْفَعْ وَمِنْ
نُفُوْسٍ لَا تَشْبَعْ وَمِنْ دَعَوَاتٍ لَا تُسْمَعْ وَمِنْ عُيُوْنٍ لَا
تَدْمَعْ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسَيِّءِ
الْأَخْلَاقِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ
اللَّهُمَّ آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا
وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَوُلَاةَ أَمُوْرِنَا وَجَمِيْعِ
الْمُسْلِمِيْنَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى
آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدً لِله
رَبِّ الْعِالَمِيْنَ.
بصيغة pdf:
word:
تعليقات
إرسال تعليق