خطبة الجمعة (منهج السلف في فهم الدين وبيان حكم إقامة المولد)
خطبة الجمعة (منهج السلف في فهم الدين وبيان حكم إقامة المولد)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف 108) يَقًوْلُ
اللهُ تَعَالَى لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ: الْإِنْسِ
وَالْجِنِّ، آمِرًا لَهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ: أَنَّ هَذِهِ سَبِيلُهُ، أَيْ
طَرِيقُهُ وَمَسْلَكُهُ وَسُنَّتُهُ، وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِهَا
عَلَى بَصِيرة مِنْ ذَلِكَ، وَيَقِينٍ وَبُرْهَانٍ، هُوَ وَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَهُ،
يَدْعُو إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ على بَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ وَبُرْهَانٍ شَرْعِيٍّ وَعَقْلِيٍّ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء 115)
وَإِنَّ مُخَالَفَةَ فَهْمِ الْمُؤْمِنِيْنَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِيْنَ
لِلقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ دَاخِلٌ فِيْ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيْلِهِمْ، لِأَنَّ
اللهَ أَمَرَ بِاَخْذِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ. قَالَ تَعَالَى فِيْ مَوْضِعَيْنِ مِنْ
كِتَابِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي
إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
(النحل 43) (الأنبياء 7).
وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِهِ
لِأَنْبِيَائِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ بِالْاقْتِدَاءِ بِهُدَاهُمْ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ
الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى
قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ *
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى
وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى
وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ
وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *
أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ
يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا
بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ
لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}
(الأنعام 82 - 90) فَيَا عَبْدَ اللهِ احْذَرْ ثُمَّ احْذَرْ أَنْ تُفَسِّرَ
الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ بِمُجَرَّدِ فَهْمِكَ، مِنْ غَيْرِ فَهْمِ
الْمُؤْمِنِيْنَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِيْنَ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ
عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ
وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة
169) وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ
تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف 33) وَفِيْ هَذِهِ الْآيَةِ قَرَنَ
الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ مَعَ الشِّرْكِ بِهِ الَّذِيْ هُوَ أَعْظَمُ
الظُّلْمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ أَعْظَمِ
الْجُرْمِ.
هّذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيْلَ
لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيْمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.
الخطبة الثانية:
إِنَّ
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا
بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ
الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ
مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ
فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فإن إقامة يوم المولد _أي مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بدعة محدثة، كما قال المشايخ الكبار من أهل الفتوى، وقد صُنِّفتْ في ذلكم مصنفات
عديدة، قديمة وحديثة.
قال عمر بن علي الفاكهاني الإسكندري رحمه الله
(ت734)، في كتابه (المَورِد في عمل المولد): "لا أعلم لهذا المولد أصلا في
كتابٍ ولا سنة، ولا يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين،
المتمسكون بآثار المتقدمين؛ بل هو بدعة أحدثها البطَّالون، وشهوة نفس اغتنى بها
الأكَّالون، بدليل أَنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة، قلنا: إما أن يكون
واجبا، أو مندوبا، أو مباحا، أو مكروها، أو محرما.
وهو (أي: إقامة المولد) ليس بواجب إجماعا، ولا
مندوبا، لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه
الشرع، ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت. وهذا
جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحا، لأن الابتداع
في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين. فلم يبق إلا أن يكون مكروها، أو حراما.
وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين، والتفرقة بين حالين:
أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله
وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئا من
الآثام؛ فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل
الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْنُ الأمكنة.
والثاني: أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية،
حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسُهُ تتبعُه، وقلبه يؤلمه ويوجعه، لما يجد من ألم الحيف.
وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف. لا سيما إنِ
انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل من الدفوف والشبابات،
واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الغانيات، إما مختلطات بهم أو مشرفات،
والرقص بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف. وكذلك النساء
إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في
التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: {إن ربك
لبالمرصاد}. وهذا الذي لا يَختلف في تحريمه اثنان، ولا يَستحسنه ذوو المروءة
الفتيان. وإنما يحل ذلك بنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب.
وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور المنكرات المحرمات". انتهى
كلامه. وبقي التنبيه على مسألة هامة اشتبهت على المبتدعة أو غابت عنهم، وهي: أن ترك
النبي صلى الله عليه وسلم أو ترك الصحابة لفعلٍ ما، مع وجود المقتضي له وانتفاء
المانع يدل على أن ترك ذلك الفعل سنة، وفعله بدعة، هذه القاعدة تعرف بالسنة
التركية، وهي قاعدة جليلة فيها سد لباب الابتداع في الدين ويشترط لهذه القاعدة
شرطان هما: الأول: وجود المقتضي. والثاني: انتفاء المانع. فإذا لم يوجد المقتضي
لذلك الفعل فلا يكون الترك سنة، كترك الأذان للعيدين، فإن المقتضي موجود وهو
الإعلام للعيدين، ومع ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان للعيدين فالترك هنا
يدل على أنه سنة. وأما مثال الترك مع عدم وجود المقتضي: فكترك النبي صلى الله عليه
وسلم جمع القرآن، فلا يكون الترك هنا سنة ، لأن المقتضي لم يكن موجوداً ، ولذلك
جمعه عمر بن الخطاب لما دعت الحاجة إليه.
فإن وُجد المقتضي لذلك ولم ينتف المانع لم يدل
على أن ترك ذلك سنة، كتركه صلى الله عليه وسلم القيام مع أصحابه في رمضان ، فإن
المقتضي كان موجوداً، لكن كان هناك مانع موجود وهو خشيته صلى الله عليه وسلم أن
يُفرض عليهم القيام .
قال ابن تيمية: (وَالتَّرْكُ الرَّاتِبُ:
سُنَّةٌ كَمَا أَنَّ الْفِعْلَ الرَّاتِبَ: سُنَّةٌ بِخِلَافِ مَا كَانَ تَرْكُهُ
لِعَدَمِ مُقْتَضٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ وَحَدَثَ بَعْدَهُ
مِنْ الْمُقْتَضَيَاتِ وَالشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ مَا دَلَّتْ
الشَّرِيعَةُ عَلَى فِعْلِهِ حِينَئِذٍ كَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ
وَجَمْعِ النَّاسِ فِي التَّرَاوِيحِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ. وَتَعَلُّمِ
الْعَرَبِيَّةِ وَأَسْمَاءِ النَّقَلَةِ لِلْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا
يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدِّينِ بِحَيْثُ لَا تَتِمُّ الْوَاجِبَاتُ أَوْ
الْمُسْتَحَبَّاتُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا بِهِ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ. فَأَمَّا مَا
تَرَكَهُ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا
لَفَعَلَهُ أَوْ أَذِنَ فِيهِ وَلَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَالصَّحَابَةُ:
فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ فِعْلَهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ وَيَمْتَنِعُ
الْقِيَاسُ فِي مِثْلِهِ. وَهُوَ مِثْلُ قِيَاسِ " صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ
وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ " عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَنْ
يُجْعَلَ لَهَا أَذَانًا وَإِقَامَةً كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ المراونية فِي الْعِيدَيْنِ.
وَقِيَاسِ حُجْرَتِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى بَيْتِ
اللَّهِ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْيِسَةِ
الَّتِي تُشْبِهُ قِيَاسَ الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا:
{إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} . (مجموع الفتاوى ج26 ص172 بتصرف يسير). وقال
ابن القيم: ( فَإِنَّ تَرْكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ
كَمَا أَنَّ فِعْلَهُ سُنَّةٌ، فَإِذَا اسْتَحْبَبْنَا فِعْلَ مَا تَرَكَهُ كَانَ
نَظِيرَ اسْتِحْبَابِنَا تَرْكَ مَا فَعَلَهُ، وَلَا فَرْقَ.
فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ
لَمْ يَفْعَلْهُ، وَعَدَمُ النَّقْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَقْلَ الْعَدَمِ؟ فَهَذَا
سُؤَالٌ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ مَعْرِفَةِ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ، وَمَا كَانَ
عَلَيْهِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا السُّؤَالُ وَقُبِلَ لَاسْتَحَبَّ لَنَا مُسْتَحِبٌّ
الْأَذَانَ لِلتَّرَاوِيحِ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ؟
وَاسْتَحَبَّ لَنَا مُسْتَحِبٍّ آخَرُ الْغُسْلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ: مِنْ
أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ؟ وَانْفَتَحَ بَابُ الْبِدْعَةِ، وَقَالَ
كُلُّ مَنْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ هَذَا لَمْ يُنْقَلْ؟).
(إعلام الموقعين ج2 ص281)
اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ
قُلُوْبَنَا عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ
الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ،
وَنَعُوْذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ
وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَنَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ
قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَنَعُوْذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ
قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَنَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ
وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَسْتَعِيذُكَ مِمَّا
اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَنَسْأَلُكَ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ أَمْرٍ أَنْ تَجْعَلَ عَاقِبَتَهُ
رَشَداً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ
اللَّهُمَّ آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا
وَلِوَالِدِيْنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَوُلَاةَ
أَمُوْرِنَا وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ.
روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:
بصيغة pdf:
word:
تعليقات
إرسال تعليق