خطبة الجمعة (من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا)
خطبة الجمعة (من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧٠ – ٧١] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ
وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {
وَٱلْفَجْرِ . وَلَيالٍ عَشْرٍ } قال أكثر المفسرين هي ليالي العشر الأُوَلِ
من ذي الحجة، كما قال جابر بن عبد الله وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم.
وها نحن في هذه العشر العظيمة التي اختصها الله بأنْ أقسم
بلياليها، ولا يقسم عز وجل إلا بعظيم، وجعل
أيامها أفضل أيام الدنيا، وأحبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإكثار
من العمل الصالح فيها، وفضلَّه
فيها على غيرها من الأيام، كما ثَبَتَ في السنة عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ
هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ
فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي. في
هذه الرواية قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ
إِلَى اللَّهِ) وفي رواية أخرى قال: (أزكى وأعظم أجراً) وفي أخرى قال:
(أفضل) من هذه الأيام العشر.
عِبَادَ اللهِ إن مما ينبغي ويستحب فعله في
هذه الأيام العشر الفاضلة: صلاة العيد والتبكير إليها في يوم العيد يوم النحر فعن
البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ
نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ)) رواه البخاري، وعن أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الحُيَّضَ يَوْمَ العِيدَيْنِ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ
فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ، وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ
عَنْ مُصَلَّاهُنَّ، قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ
لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا))
رواه البخاري، فلذلك صلاة العيد فرض عين على الرجال على الراجح، قال ابن تيمية: (وَقَوْلُ
مَنْ قَالَ لَا تَجِبُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ
الْإِسْلَامِ وَالنَّاسُ يَجْتَمِعُونَ لَهَا أَعْظَمَ مِنْ الْجُمُعَةِ وَقَدْ
شُرِعَ فِيهَا التَّكْبِيرُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ
لَا يَنْضَبِطُ).
ومن أفضل الأعمال: ذبح الأضحية في يوم النحر
قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} ويكون الذبح بعد صلاة العيد فإن
ذبح قبل صلاة العيد يلزمه الإعادة لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ
ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ
يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ)) متفق عليه ، ولا يلزم المضحي أن يضحي في يوم النحر بل
يجوز له أن يضحي في أيام التشريق لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كل
أيام التشريق ذبح)) [السلسلة الصحيحة برقم (٢٤٧٦) ] وهي
واجبة على صاحب المنزل القادر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (وَأَمَّا
الْأُضْحِيَّةُ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا أَيْضًا فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ
شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ النُّسُكُ الْعَامُّ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ
وَالنُّسُكُ مَقْرُونٌ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فَأَمَرَ بِالنَّحْرِ كَمَا أَمَرَ
بِالصَّلَاةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا
لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ
فَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}
وَقَالَ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ
فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ
جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ
سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ
لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ
سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ
الْمُحْسِنِينَ} وَهِيَ مِنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرْنَا
بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ ، وَبِهَا يُذْكَرُ قِصَّةُ الذَّبِيحِ ...) ثم قال: (وَوُجُوبُهَا
حِينَئِذٍ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ
الْأَصْلِيَّةِ. كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِالشَّاةِ عَنْ
أَهْلِ الْبَيْتِ - صَاحِبُ الْمَنْزِلِ - نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمِنْ
مَعَهُمْ. كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَ). [مجموع
الفتاوى (٢٣ / ١٦٢-١٦٤)]
وعلى المضحي أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره
شيئاً، فعن أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ،
فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ)) وفي رواية: ((فَلَا يَأْخُذَنَّ
مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ)) رواهما
مسلم (١٩٧٧).
ويسن لمن ذبح أضحية أن يقول: ((بسم الله والله
أكبر اللهم هذا عني)) إن كانت له، وإن كان موكلاً بالذبح يقول: ((بسم الله والله
أكبر اللهم هذا عن فلان))، ولا يعطي الجزار منها شيئاً كأجرة، بما في ذلك جلدها
لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك ، كقول عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَرَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَقْسِمَ
جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا
شَيْئًا، وَقَالَ: ((نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا)) [رواه
أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود ١٧٦٩]، ويسن
للمضحي أن يقسم أضحيته إلى ثلاثة أقسام: قسم يتصدق به وقسم يأكله وقسم يدخره أو
يهديه، لقول النبي ﷺ : ((فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)) رواه مسلم
(١٩٧١) وفي رواية: (كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْبِسُوا أَوِ ادَّخِرُوا) وقيل:
إِنَّ الْمُضَحِّيَ يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ، لِقَوْلِهِ
تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الْحَجِّ:
28] ولقول النبي ﷺ: ((فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)) رواه مسلم
(١٩٧١)، والأفضل للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه لأن النبي ﷺ ضحى وذبح بيده.
هّذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيْلَ
لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيْمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.
الخطبة الثانية:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا،
وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ
وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُوْرِ
مُحْدَثَاتُهَا وَكَلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ
فِيْ النَّارِ، أَمَّا بَعْدُ:
فإن هذا اليوم المبارك قد اجتمع فيه من
المزايا والفضائل ما لم تجتمع في غيره من الأيام، فهو يوم جمعة، وهو أفضل أيام
الأسبوع، وهو يومٌ من أيام عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام الدنيا، فعن جابر رضي
الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((أفضل أيام الدنيا
العشر يعني عشر ذي الحجة ، قيل ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل
الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب)) صححه الألباني في صحيح الترغيب (١١٥٠).
وهو يوم عرفة الذي قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَجُّ
عَرَفَةُ) رواه أهل السنن وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وآخرون. وقال فيه
أيضاً: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ
السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواه مسلم
وَسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عَنْ عَشْرِ
ذِي الْحِجَّةِ وَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَأَجَابَ:
((أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ
رَمَضَانَ وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ
لَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ)).
قَالَ الإمام ابْنُ الْقَيِّم معلقاً:
((وَإِذَا تَأَمَّلَ الْفَاضِلُ اللَّبِيبُ هَذَا الْجَوَابَ وَجَدَهُ شَافِيًا
كَافِيًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ
مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَفِيهَا: يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ
النَّحْرِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ. وَأَمَّا لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ فَهِيَ
لَيَالِي الْإِحْيَاءِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُحْيِيهَا كُلَّهَا وَفِيهَا لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
فَمَنْ أَجَابَ بِغَيْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُدْلِيَ
بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ)). مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (ج ٢٥
ص٢٨٧) ، وبدائع الفوائد لابن القيم (٣ / ١٦٢) قال
الإمام ابن كثير رحمه الله: ((وَبِالْجُمْلَةِ ، فَهَذَا الْعَشْرُ قَدْ قِيلَ
إِنَّهُ أَفْضَلُ أيام السنة، كما نطق به الحديث، وفضله كَثِيرٌ عَلَى عَشْرِ
رَمَضَانَ الْأَخِيرِ، لِأَنَّ هَذَا يُشْرَعُ فِيهِ مَا يُشْرَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ
صلاة وصيام وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِ، وَيَمْتَازُ هَذَا بِاخْتِصَاصِهِ بِأَدَاءِ
فَرْضَ الحج فيه. وقيل ذلك أَفْضَلُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ
الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَيْامُ
هَذَا أَفْضَلُ، وَلَيَالِي ذَاكَ أَفْضَلُ، وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ شَمْلُ
الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.)) تفسير ابن كثير ج5 ص365وقال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله تعالى : ((وَاسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ
لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ مِنْ جِهَادٍ لَمْ يَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ
وَمَالُهُ)). [الفتاوى الكبرى (ج٥ ص٣٤٢) ]وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى
مبيناً سبب امتياز هذه الأيام الفاضلة : (( وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ
فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ
الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ
وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ )) [ فتح الباري (ج٢ ص٤٦٠) ] وقـال الحـافظ
ابن رجب رحمه الله تعالىٰ: " وأما نوافل عشر ذي الحجة فأفضل من نوافل عشر
رمضان ، وكذلك فرائض عشر ذي الحجة تضاعف أكثر من مضاعفة فرائض غيره ". [فتح
الباري لابن رجب - (١٦/٩) ]
وقال أيضا في اللطائف : ((لما كان الله سبحانه
قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادراً
على مشاهدته كل عام فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره ، وجعل موسم العشر
مشتركاً بين السائرين والقاعدين))
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عُلُوْمَاً نَافِعَةً وَأَعْمَالَاً
صَالِحَةً مُتَقَبَّلَةً وَأَرْزَاقَاً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً وَاسِعَةً، اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ إِنَّا
نَعُوْذُ بِكَ مِنْ قُلُوْبٍ لَا تَخْشَعْ وَمِنْ عُلُوْمٍ لَا تَنْفَعْ وَمِنْ
نُفُوْسٍ لَا تَشْبَعْ وَمِنْ دَعَوَاتٍ لَا تُسْمَعْ وَمِنْ عُيُوْنٍ لَا
تَدْمَعْ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسَيِّءِ
الْأَخْلَاقِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ
اللَّهُمَّ آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا
وَجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَوُلَاةَ أَمُوْرِنَا وَجَمِيْعِ
الْمُسْلِمِيْنَ لِتَحْكِيْمِ شَرْعِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى
آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدُ لِلهِ
رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.
روابط مباشرة للقراءة وتحميل الخطبة:
بصيغة pdf:
word:
بيان المصادر:
تعليقات
إرسال تعليق